العفو خلق الأقوياء والمحبين لله عز وجل الذين إذا قدروا عفوا عمن أساء لهم

الفجور في الخصومة... نهايته ضعف الإيمان وقسوة القلب

u0627u0644u062eu0635u0648u0645u0629 u062au062fu0641u0639 u0644u0644u062au062du0627u0633u062f u0648u0627u0644u062au0628u0627u063au0636
الخصومة تدفع للتحاسد والتباغض
تصغير
تكبير

الخصومة تدفع للتحاسد والتباغض وتزرع في القلب السواد وعمى البصيرة في رؤية الحق

أعمق الخصومات ما كان بين الأقارب حين يقع عدم الإنصاف بسبب الحسد والغيرة القاتلة

الله جل وعلا أطلق في كتابه الكريم على الفجور في الخصومة «لدداً»

الحسد منبت الشر بتجاوز الحدود في الخصومة وفيه علامة خطيرة تغضب الله وهي الاعتراض على قضائه وقدره


من الظواهر التي تنافي الإسلام والطبيعة البشرية النقية الغلو في العداء والخصومة إلى حد الفجور بها، وكما نعلم أن الإسلام قد نهى عن الفجور في الخصومة، واعتبرها دلالة كبيرة على النفاق المحض. والفجور في الخصومة مسلك قديم لدى الناس، ونحن نشاهد بصفة يومية الصراعات والحروب والفتن بين الدول والناس عامة، والتي تجعلهم يدخلون في مدارات شائكة وعرة ومخيفة تمزق العلاقة الأخوية بين الناس، وتفتت المحبة في قلوبهم، وتزرع البغضاء والرغبة في الانتقام في ما بينهم. وكثيرا ما يقع قطع الأرحام والأرزاق بسبب هذه الخصومة! والغريب هو من يطيل هذه الخصومة حتى يقترب الموت ويكون الاحتضار، هنا يفر لربه
خوفاً من محاسبته فيطلب من فجر في خصومته وعاداه وربما نزع منه شيئا في مظلمة كبيرة، أو خاصمه بلا سبب معروف، بل ويحرّض أولاده وأصحابه على من تخاصم معه. والأغرب هنا أن يفجر في خصومة من كان صاحب فضل عليه ومعروف، وهنا الحالة الأصعب، حيث تستغرب من خصومة شخص لمن سانده في مواقف كثيرة، وكان البطل في حياته في كثير من المواقف، ورغم ذلك ينقلب عليه ويغالي في كراهيته وحقده، ويفجر في خصومته. وقد يختلف المتنافسون في عملهم لنيل أهدافهم وتحقيق مستويات مرموقة في مناصبهم الوظيفية، فيصلون لمرحلة المنافسة البغيضة التي تندس فيها المكائد والمؤامرات، فيحدث التنافر والتناحر والكراهية والبغضاء، وتبدأ الخصومة وترتفع حدتها مع الوقت حتى تصل للذروة. لنفتح بوابة الدين هنا ونقرأ معا بعض الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة التي تتحدث في هذا الموضوع، ولكن لنبدأ بقول الله عز وجل وقوله الحق: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ».
وكما نلاحظ أن الله جل وعلا قد سمى في كتابه الكريم الفجور في الخصومة لدداً. الألد الشديد اللدد أي الجدال، مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق، والمعنى أنه من أي جانب أخذ من الخصومة قوي. ونطلع على سلسلة من الأحاديث فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. وقال الحافظ ابن حجر الفجورهو: الميل عن الحق والاحتيال في رده. والمراد أنه إذا خاصم أحداً فعل كل السبل غير المشروعة، واحتال فيها حتى يأخذ الحق من خصمه، وهو بذلك مائل عن الصراط المستقيم.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ. والسؤال هنا: ماهي العواقب التي تنتهي إليها الفجور في الخصومة والجواب: تدفع للتنافر والتناحر والتحاسد والتباغض، وتزرع في القلب السواد وعمى البصيرة في رؤية الحق. ولقد نهى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن تلك الأمور، فقد قال عليه السلام: إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك، قال عليه السلام أيضاً: دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. ونعلم أن الحسد منبت الشر بتجاوز الحدود في الخصومة، وفيها علامة خطيرة تغضب الله جل وعلا وهي الاعتراض على قضائه وقدره، فهو مقسم الأرزاق وله حكمة بالغة في ذلك، والحسد هو عدم قبول الحاسد الحق، وهذا يدفعه للمكوث في مستنقع الباطل الذي ينتهي به إلى الأمراض القلبية والجسدية من فرط قوة تأثير الحسد في نفسه وقلبه.
والفجور في الخصومة يؤدي إلى التقاطع بين الأرحام والأقارب، ونذكر هنا قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. وأعمقها ما كان بين الأقارب حين يقع عدم الإنصاف بسبب حسد بينهم، فينقلبون على من تفوّق عليهم في أمور عدة بتقدير من الله عز وجل، ولكن نفوسهم يعشش فيها الحقد والحسد والغل، فتموت في قلوبهم مشاعر الأخوة أو روابط صلة القرابة بينهم، وهنا نتذكر قول الشاعر ابن الرومي وهي حكمة بالغة في موضوع الخصومة بين الأقارب بسبب تحاسد وتباغض وغيرة قاتلة سببها الشيطان، ترجعنا لقصة يوسف عليه السلام:
وإخوان حسبتهم دروعاً
 فكانوها ولكن للأعادي
وخِلتهم سهاماً صائبات
 فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب
 فقد صدقوا ولكن عن ودادي
وبلاشك أن العفو هو خلق الأقوياء والمحبين لله عز وجل، الذين إذا قدروا بعون الله عفوا عمن أساء إليهم، لكن المشكلة تكمن في غُلو الخصم الذي يكون على باطل ويزعم أنه على حق، فينسى فضل خصمه ومعروفه عليه، ووقوفه معه في الأزمات الكبيرة والمحن الصعبة، وينقلب عليه بشكل مخيف ولافت للنظر، بل ويفجر بخصومته ويستمر سنوات طوالا على حسده وحقده وغله وعدائه، ولا يتوب إلى الله عز وجل، ولا يطلب الصلح والعفو ممن خاصمه بلا وجه حق، فهو هنا قد فجر في خصومته وغالى غلوا كبيراً، لأنه خاصم وظلم بنكرانه المعروف وجحوده بالفضل عليه. والمخاصم عادة ما يكون مجادلا ومتعنتا لرأيه.
وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل». وهنا بلاغة القول للحبيب المصطفى ولا يحتاج الأمر إلى تفسير، ويتحول الجدل إلى خصومة في الباطل عناداً وجحوداً، وإن كنتَ صاحب فضل عليه كما وضحنا سابقا، وأصعب حالات الجدل حين تكون التركيبة الشخصية مزيجاً من الجهل بالدين، وضعف الإيمان بالله عز وجل، وحدة الطبع وعقدة النقص، والتصلب بالرأي بغير حق، وكراهية بالقلب للطرف الآخر، وغيرة قاتلة لاعلاج لها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: «والمذموم شرعا ما ذمه الله ورسوله كالجدل بالباطل، والجدل بغير علم، والجدل في الحق بعدما تبين».
ومن المخاصمين المجادلين من ينفرون من قول الله عز وجل ومن كتابه العزيز، ويبغضون أقوال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيتعنتون ويتصلبون لرأيهم، وهذا الصنف من الناس ينبغي تجنب الحوار معهم، والحل هو الترفع عنهم، وعدم الدخول معهم في أنفاق الجدل العقيم. ولو تفكر هؤلاء المجادلون والمخاصمون بالدنيا لوجدوا أنها لا تساوي شيئاً، وأنها رحلة قصيرة جدا ستنتهي إلى حياة أخرى مختلفة تماماً ودائمة في حساب وقرار رباني: خلود بالجنة أو بالنار، حينها يكتشفون أن سنوات عمرهم قد ضاعت في أحضان الغضب والتعصب ودهاليز الخصومات مع الناس، وفي كراهيتهم التي تمتلئ بها صدورهم، وفي أحضان حالات الجدل بغير الحق مع الآخرين، وقد يأتي هذا التكشف في وقت ربما متأخر حيث ان النهاية قد اقتربت، وقد تكون في ساعة الاحتضار، والنتيجة أنهم لم يقدموا شيئا لآخرتهم، ولم يسعدوا بحياتهم الدنيوية أيضاً. نسأل الله الهداية للجميع.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي