جودة الحياة

الأم وطن

No Image
تصغير
تكبير

الأم عطاء بلا انتظار المقابل، كل من يعطيك شيئاً في هذا العالم قد ينتظر منك المقابل مهما كان نوعه وكيفيته ومقداره، إلا الأم فهي تعطي من حنانها، من وقتها، من صحتها، من كل شيء ذي قيمة ومعنى في هذه الحياة من دون أن تطلب شيئاً في المقابل.
الحديث عن الأم هو الحديث عن الحياة بكامل تجلياتها فمنذ النشأة الأولى من طين الأرض، التي خُلقنا منها جميعاً كان ثمة دور مهم للمرأة وهو دور أساسي وحيوي لاستمرار الحياة وإعمارها، يتعدى دور الأم كحاضنة ومربية للأجيال منذ الأزل إلى كونها أساس التكوين الأول للحياة الأسرية في المجتمعات القديمة وحتى عصرنا الحالي.
لا يبدأ دور الأم بصرخة الميلاد إيذاناً ببدء الحياة وإنما ما قبلها فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.


فيكون اختيار الزوجة الصالحة نواة لتكوين أسرة ومجتمع سليم يمثل أفراده إضافة ثرية للمجتمع الإنساني. ولإعداد الأم لمواجهة الحياة يتعين على رب الأسرة الاهتمام بتعليم البنت وتربيتها على القيم والفضائل الحميدة لتخرج من بيت عائلتها إلى بيت زوجها وهي على دراية ووعي بكيفية إدارة مملكتها الجديدة استعداداً لمهام دور الأم في المستقبل، وذلك كي تتهيأ لإدارة وتدبر أمر بيتها وتُعين زوجها على صعاب الحياة، حتى إذا أدركتها نعمة الله ووهب لها الأبناء كانت نعم الأم المربية، فهي التي تسهر على تربية الطفل وتتحمل منذ البداية ظروف الحمل والولادة ومخاطرها وقد عبر القرآن الكريم ابلغ تعبير عن مشقة الحمل والمشاق التي تتكبدها المرأة الأم حتى تخرج طفلاً مكتمل النمو يخطو أولى عتبات الحياة، وهو في كنف أمه ورعايتها فتحس بألمه إذا صرخ وتعرف كيف تترجم صراخه إلى معانٍ ومقاصد تلبيها في الحال.
قال الشاعر واصفاً حنان أمه في مراحل طفولته الباكرة: «من ذَا الذي يترجم صرختي ويُحيلها/‏ معنى فيدرك ما أقول ويفهم».
ليس بمقدور مقال الإحاطة بقدر الأم ومكانتها في القلب وعند كل أسرة وفي الحياة، ولكن ربما كان الاطلاع على الوصايا النبوية بحق الأم ذا قيمة ومعنى فقد حثت التعاليم النبوية في كثير من الأحاديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم على بر الأم، فقد سأله أحد الصحابة عن أحق الناس بحسن المعاملة فقال صلى الله عليه وسلم: إن أحق الناس بحسن المعاملة والصحبة هي الأم وكررها ثلاث مرات ثم ذكر للصحابي في المرة الرابعة الأب.
إن الوصايا النبوية الكريمة في حث الناس إلى حسن معامله أمهاتهم لا تحصى، وفي كل وصية كانت الأم وقدرها محفوظاً لدى رسول أعظم الديانات وخاتمها، ورضاؤها ربما يكون سبباً في دخول الجنة. اذاً فقد حثت الوصايا والأحاديث النبوية على بر الأم وحسن معاملتها ووضعت بذلك الأساس الأخلاقي والديني والمعيار الذي ينصف الأم في كل مراحل حياتها.
الأم بحر من العطاء وفيض من النعم التي منحها الله لعباده، يقول المفكر الفرنسي جان جاك روسو: إذا وضع العالم في كفة وأمي في كفة لاخترت أمي.
بل حتى الفلسفات القديمة والحديثة حفظت مكانة الأم، فالأم تمنح العالم جمال الحياة ورونقه، لن أسميك امرأة سأسميك كل شيء، هكذا قال محمود درويش عن الأم.
لن توفي المعاجم وأمهات الكتب وأقوال الحكماء والشعراء الأم حقها فهي التي تجود بحياتها في سبيل أن نحيا وتتخلى عن راحتها ورفاهيتها، من أجل أن توفر لنا ما نحتاجه فنراها تسهر على راحة الأبناء في أوقات الاختبارات المدرسية وتدفع بكل ما تملك من قوة في قلبها وحنان بين جوانحها، من أجل أن ترى ابنها أو ابنتها في أعلى مراتب النجاح الدراسي والأكاديمي والمهني لتسعد الأم بنجاح أبنائها وتظل طوال سنوات الدراسة والتحصيل العلمي بل وطوال حياتها سنداً لأسرتها، تحاول دوما أن تقدم كل ما تملك في سبيل أن ترى أسرتها في ارتقاء دائم في الحياة.
مهما كان لنا أناسٌ مقربون، ومهما زاد عدد الأشخاص من حولنا، فلا يوجد أحد يعوض عن مكانة الأُم، ومهما كبرنا في العُمر وأصبحنا راشدين ويُمكن الاعتماد على أنفسنا ويُمكننا تحمل المسؤولية، لا نستطيع الاستغناء عن الأم، ولا يُمكن أن يكون لنا مُستقبل من دون الأُم فهي منبع اليقين لدينا، ومنبع الحُب والسعادة، وحتى المال لا يُمكن أن يُعوض عن الأُم، الغني هو الغني بوجود الأُم، فالأُم «هي كُل شيء في هذه الحياة فهي التعزية في الحُزن والرجاء في اليأس والقوة في الضعف» كما قال جبران خليل جبران، والضعف حقاً هو العيش بلا أُم.
الأُم كلمة صغيرة مملوءة بالأمل والحب، وكُل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعُذوبة، وهي ينبوع الحنان والرأفة والشفقة والغفران وهي الصديق الحقيقي في هذه الحياة.
ألا تستحق منّا أن نرعاها في كِبرها وأن نُطيعها ونُحسن إليها؟ كم سهرت لننام؟ وكم جاعت لنشبع؟ كم شقت لنسعد؟
فهي رحمة من رب العالمين، والأُم ما عرف قدرُها إلّا الله تعالى، فقد جعل الجنة تحت أقدامها، وجعل النظرة إلى وجهها عبادة، وجعل رضاها من رضاه، وربط حقه بحقها، وربط شكره بشُكرها، فأُمي نعمة أخشى من حرمانها.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُريد الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبرّ أُمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أُمه، وفي المرة الثالثة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ويحك! الزم رجلها فثم الجنة».
تبدو الحياة سعيدة هانئة مستقرة وتستحق أن تعاش في وجود الأم، وتفقد كل معاني البهجة والاستقرار وتصبح خالية وقاسية وربما لا تحتمل عند البعض دون الأم.
فالأم وطن لا يعرف قيمتها إلا من فقدها، فأحسنوا معاملة وبر أمهاتكم، فإنهن أحد أبواب الجنة.


* مستشار جودة الحياة
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
 talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي