قضية / بعدما اتسعت مساحة التبسيط والاستسهال على حساب الجدية والعمق

هل يصبح الأدب العربي أثراً... نبحث عنه في دهاليز التاريخ؟

u0645u0646 u0623u0639u0645u0627u0644 u0627u0644u0641u0646u0627u0646 u0639u0628u062fu0627u0644u0644u0647 u0627u0644u062cu064au0631u0627u0646
من أعمال الفنان عبدالله الجيران
تصغير
تكبير



تبدو الصورة غير واضحة المعالم ونحن نتحدث عن مستقبل الأدب العربي، وما يكتنفه من غموض ورؤية مشتتة، تشي بأننا مقبلون على فترة، ربما لا يكون فيه الأدب على أي قائمة من قوائم الاهتمامات الإنسانية، وربما يتحول إلى تراث، تتناقله الأجيال، وتتباهى بأثره، الذي كان في سالف الأزمان.
الأدب العربي يؤكد مع مرور الزمن أنه غير قادر على أن يتحدى الواقع الذي فرضته الأحوال عليه فرضاً، ذلك الواقع الذي تتسع فيه مساحة التفاهة والتبسيط، والاستسهال، على حساب الجدية والموضوعية والعمق، وهو الواقع نفسه الذي انزاحت أمام هجمته الأقلام التي من الممكن أن تعمر في الأرض وأن يكون لها قيمتها الإنسانية الخلاقة، بعدما أصبح التافه من الكتابات الأدبية هي التي تتباهى بنجاحاتها وجوائزها، ومتابعيها، والمعجبين بها.
وهل من دليل على أن الأدب في طريقه إلى الزوال، إلا ما نشاهده من تزاحم على متابعة خبر في قيمة فلانة «تعرت»، وأخرى «تعدت على شيء ما»، وآخر «تبادل الشتائم مع آخرين»، لتحتدم المنافسة على من يعلق ويقارع الحجة بالحجة، بين التأييد والمعارضة.
بينما يموت الخبر الذي يتحدث عن مبدع أو كاتب أصدر كتاباً مهماً، أو كتب مقالاً يكشف فيه الواقع، ويضع حلولاً لأزمته.
من يقرأ لهؤلاء، ومن يشجعهم ويقول لهم إننا معكم، بالطبع لا يوجد وإن وجد فهم قلة، من الأصدقاء الذين يحيطون به ومعظمهم لا يقرؤون، بقدر ما يجاملون، ولربما يجد من مبدع أو كاتب آخر، يرى أن تلك الكتابات قد تتفوق على كتاباته، فيسعى إلى هدمها.
 ومن ثم بدأت العملية الإبداعية العربية - على وجه الخصوص - تفقد قيمتها في التأثير على المجتمع، من خلال ما تقدمه من نتاج غير قادر على تحريك السكون، والتعبير عن الحالة الراهنة بإخلاص وصدق، وتداخلت الأعمال الأدبية في ما بينها لدرجة أننا بتنا لا نفرق بين الجيد من السيئ، وغابت الرؤية، التي من المفترض اعتمادها في التقييم والجودة، وذلك بسبب استسهال النشر، وعدم التدقيق في قيمته، فكل شيء متاح للنشر والقراءة على مواقع الإنترنت، ومن يفز بالانتشار فهو ذلك المتفرغ القادر على المتابعة ليل نهار أمام شاشات الأجهزة الذكية.
وهذا الافتقاد الذي بدأت علاماته في الظهور على واقع الحال... يمكنه تأسيس فكرة ضمور المسألة الإبداعية، إلى درجة الغياب التام، أو الانقراض، بحيث لا تجد أي أحد لديه معرفة بالأدب إلا بالرجوع إلى التراث الذي قد يدخل في مجاله حتى ما يكتب حالياً، والذي من الممكن أن يطلق عليه، للباحثين، بداية انقراض الأدب.
ورغم ذلك لا نية لأي جهة رسمية كانت أم مدنية في دق ناقوس الخطر، والتنبيه بشكل لافت ومستمر بهذه المسألة، وما نراه فقط تذمر ورفض واستهجان... ثم صمت تام لا ينتج عنه إلا الفراغ، الذي لا يقدم أو يؤخر في العملية الإبداعية.
إنه الانقراض الذي سيعقبه خسارة إنسانية لمجتمعنا العربي، في ما ستظل العملية الإبداعية مستمرة في مجتمعات أخرى تؤمن بأهمية الثقافة، وتدافع عن الإبداع وتقدر المبدعين، وتمنحهم الأوسمة والجوائز من دون تحيز أو انتقاء أو محسوبية، وترى فيهم الرؤية التي على أساسها تتوهج الحياة بالمزيد من التطور والنهضة الفكرية والإنسانية.
تلك المجتمعات التي تسهل على المبدعين الاستمرار في إبداعاتهم من دون رقابة مرتجفة وخائفة ومتوجسة، ومستعدة للتشكيك في كل كلمة عصية على الفهم وتأويلها إلى ما لا تحتمله، ومن دون تجاهل للمبدعين، ووضعهم في زيل قائمة الاهتمامات، والتقليل من شأنهم من خلال إدخالهم في دوامات البحث عن الطمأنينة والراحة بعيداً عن الملاحقة والتقاضي.
في ما يظل الإبداع العربي في غيابه بعقبة غياب، خصوصاً وأن النخبة، التي من المفترض الاعتماد عليها، فقدت الرغبة في الاستمرار، وفضلت الابتعاد عن الساحة، والاكتفاء بما قدمته خلال السنوات الفائتة، بعدما أصبح الأدب مهملاً لا يلتفت إليه إلا قلة قليلة، من الذين لا قدرة لهم في التأثير وسط الصخب والأصوات العالية، والنشاز، والقبح.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي