ممدوح إسماعيل / عبدالناصر أمام قبر البنا «الإخوان»

تصغير
تكبير
في خبر لافت ومثير أعلن قطاع الأخبار باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري العثور على فيلم قديم تاريخه يعود إلى شهر فبراير 1954، وفيه يظهر كل من رؤساء مصر السابقين محمد نجيب، وعبدالناصر، والسادات أمام قبر الإمام حسن البنا، مؤسس «جماعة الإخوان المسلمين»، في ذكرى تأبينه.
وكان لافتاً جداً ما ذكر من أن عبدالناصر أعلن أمام قبر حسن البنا، رحمه الله، أنه سيظل ثابتاً على مبادئ البنا، و«الإخوان» ويجاهد في سبيلها.
كان من الممكن أن يمر الخبر مثل آلاف الأخبار اليومية، ولا يلتف إليه أحد، ولكن تاريخ عبدالناصر مع «الإخوان» هو الذي جعل الخبر لافتاً ومثيراً جداً، وكيف لا ولم تمض شهور حتى تمت مسرحية حادثة المنشية التي قيل فيها ان «الإخوان» دبروا لقتل عبدالناصر! وكيف لا يكون الخبر لافتاً ومثيراً، وقد اعتقل عبدالناصر ما يقرب من عشرين ألفاً من «الإخوان» في ليلة واحدة بعدها بشهور! وكيف لا يكون الخبر لافتاً ومثيراً وقد حكم بعدها بشهور على المئات من «الإخوان» بالسجن المؤبد والاعتقال الذي لا ينتهي! وكيف لا يكون الخبر لافتاً ومثيراً وقد علق على أعواد المشانق خيرة رجال «الإخوان» ومصر بعدها بشهور، ومن أشهرهم المستشار الكبير العظيم عبدالقادر عودة رحمه الله! وكيف لا يكون الخبر لافتاً ومثيراً وقد قتل عشرات من «الإخوان» في سجن طرة، في ما سمي «مذبحة طرة» الشهيرة!

الحقيقة أن علاقة «الإخوان» بعبدالناصر كلها لافتة ومثيرة جداً بداية من شهادات المؤرخين، التي تشهد أن عبدالناصر بايع الإمام حسن البنا، وانضم إلى جماعته مروراً بمشاركة «الإخوان» في انقلاب يوليو 52، بل مشاركة بعضهم في الوزارات، وإن كان أعلن انفصالهم، نهاية إلى فصولها التراجيديا وما شهده «الإخوان المسلمون» في عهده من اعتقالات وسجون وتعذيب وإعدامات وقتل وتشريد.
ومن الطريف اللافت في لقطات ذلك الفيلم أن عائلة البنا كانت في استقباله، ومنهم ابنه الوحيد أحمد سيف الإسلام حسن البنا، وكان صغيراً وقتها، ولكنه لم يسلم بعد ذلك من السجن والاعتقال في عهد عبدالناصر! لكن الشاهد في ذلك الفيلم النادر، الذي عثر عليه في الأرشيف، هو أنه يحوي موقفاً متناقضاً تماماً مع علاقة عبدالناصر بـ «الإخوان». ويبدو أن قَسَم عبدالناصر أمام قبر البنا بالوفاء بمبادئه كان للإعلام فقط وللدعاية ولغرض ما في نفس عبدالناصر أراده وقتها، ولكنه لا يمثل ذرة من الحقيقة، إذ أثبت الواقع أنه كان يضمر خططاً ومؤامرات لـ «الإخوان» ظهرت في ما بعد حتى ضد أقرب الناس الذين كانوا معه، وأولهم محمد نجيب، الأب الروحي لانقلاب يوليو، الذي لم يسلم من عبدالناصر وانقلب عليه وشرده هو وعائلته، ثم عبدالحكيم عامر، وغيرهما كثيرون من الضباط الذين كانوا معه في انقلاب يوليو.
لكن الذكي الوحيد الذي سلم من عبدالناصر هو السادات، وهو أيضاً شهدت علاقته بـ «الإخوان» تناقضاً مثيراً، إذ بدأ عهده في أوائل السبعينات بالإفراج عن المعتقلين من «الإخوان»، وبدأ نحو تحالف سياسي مع «الإخوان» بخطوات ممزوجة بخبث السياسة، إذ كان السادات في حاجة إليهم ضد الشيوعيين. ولكن النهاية لم تكن النهاية سعيدة فقد زج بالمئات منهم في السجون في ما سمي بـ «قرارات التحفظ».
ويبقى أن مشهد عبدالناصر، ومحمد نجيب، والسادات أمام قبر الإمام حسن البنا، ربما يعبر حقيقة، بعد 54 عاماً على مروره، على خفايا موقف الدولة المصرية من «جماعة الإخوان» فهي تريدها في القبر، بمعنى عدم الحركة مطلقاً، أو بمعنى ألا يكون لها دور سياسي مطلقاً، وأن تهتم بفقه المقابر فقط.
وأخيراً من الواضح بشهادة المؤرخين بعد 56 عاماً على انقلاب يوليو أن عبدالناصر كان لا يعرف ولا يريد، غير... أنا عبدالناصر، فقط، وهي من البدع السيئة التي أرساها عبدالناصر للحكم في المنطقة العربية، التي لا تعرف للشورى ولا للديموقراطية مكاناً غير القبر، والتغني بشعاراتها فقط، كما فعل عبدالناصر وتغنى بشعارات «الإخوان» والبنا في قبره.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
Elsharia5@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي