«لجنة ومن بعدها لجنة، وفوقها لجنة وكذلك تحتها لجنة». هذا واقع الحال في كل أزمة نعانيها وتمر بها البلاد، ولعل آخرها أمطار الخير التي هطلت على الكويت نهاية العام الماضي، فأظهرت الوجه القبيح للبنية التحتية المتهالكة، والتخاذل الواضح من قبل مسؤولي الوزارات المعنية في مجال البنية التحتية وإدارة الأزمات، ولولا ستر الله لحدث ما لا يحمد عقباه!
أخيراً انتهت لجنة تقصي الحقائق بشأن أزمة الأمطار أعمالها وأعلنت عبر مؤتمر صحافي عن نتائجها، ولعل المميز في المؤتمر هو اعتذار الوزيرة الخلوقة جنان بوشهري للشعب الكويتي والوافدين عن سوء شوارع الكويت، وعما حصل وهو أمر قلما يحدث تحديداً هنا في الكويت!
الواضح في الأمر أن الموضوع لم ينته بعد، فهناك لجنة برلمانية هي الأخرى ستدرس الموضوع، وديوان المحاسبة من جانب آخر مكلف بإعداد تقرير فني ومالي وقانوني حول هذه الأزمة! وعند ذلك الحين، طبعاً إن لم يكن هناك لجان أخرى كالعادة، فإن الصورة ستتضح أكثر وسيعرف الشعب الكويتي من هو المسؤول عن هذه الأزمة، وهذا أيضاً وكما يقول المثل الكويتي (كلام ماخوذ خيره).
الغريب في الموضوع أننا نعيش في العام 2019 وبعد مضي عشرات السنوات على وجود الطرق في الكويت، فإن الجهات المعنية ما زالت - وعلى لسان الوزيرة جنان بوشهري - تعمل على فحص مكونات الخلطة الأسفلتية، وتتعاون مع مختبرات عالمية لتقييم أداء وعمل المختبرات، وأن الوزارة لن تقوم بسفلتة الطرق إلا بعد اعتماد الخلطة بشكلها النهائي (أو من باب المزحة، عندما نعلن عن تكسر آخر لزجاج سيارة في الكويت)! وكأن الشوارع والأسفلت في الكويت حديثة العهد! ولا نستطيع هنا إلا أن نقول رحماك يا الله!
معالي الوزيرة، أعلم جيداً أنك تدركين أن الوزارة لو قامت بطرح مستندات المناقصة الخاصة بالطرق بشكل واضح ودقيق وفق المواصفات الفنية السليمة، لما كان هذا حال طرقنا. كما أنك تعلمين أن طريقة ترسية المناقصات على أساس أرخص الأسعار، من دون النظر إلى سمعة وجودة وخبرة الشركات المشاركة، هو السبب الذي (ودانا بداهية) نحن ومشاريعنا.
يا معالي الوزيرة، إنني متيقن أنك مقتنعة أن جهاز الإشراف التابع لجهات الدولة المختلفة والمسؤول عن مراقبة أعمال المقاولين ضعيف فنياً وإدارياً، وأن أغلب المقاولين يستغلون ذلك في توفير تكلفة أعمالهم على حساب مشاريع الدولة، لذلك لا تندهشين عندما تشاهدين - كما ذكرت - التخاذل والقصور من موظفي الجهات التابعه للوزارة.
معالي الوزيرة، لعل الواضح للعيان وبما لا يدعو مجالا للشك، أن أكثر المشاريع التي تطرحها الوزارة يتم بيعها من الباطن ولعل أعداد المقاولين من الباطن يفوق أكثر مما قد تتخيلين، لذلك لا تسألين أياً كان عن الجودة إذا كان هذا نهج إدارة مشاريع الدولة.
أخيراً يا معالي الوزيرة، نشكر جهود الإصلاح ومواجهة الفساد والفاسدين، إلا أن ذلك وحده لن يحل المشكلة، فرحيل فاسد أو إيقاف شركة أو مقال أو مكتب استشاري فقط دون عمل آخر، سيكون نتيجته أنه سيفسح المجال لفاسد آخر ليأخذ دوره ويجني من (الكيكة اللي مش راضية تخلص) بكل اختصار!
المشكله يا معالي الوزيرة مشكلة إدارية بحتة. المشكلة في منظومة عمل جهات الدولة، المشكلة في طريقة وفكر إدارة المشاريع وآلية تنفيذها، المشكلة أكبر مما تتصورين، ومتيقن أنك تعلمين ذلك، وغير هذا الكلام أعيد وأكرر (كلام ماخوذ خيره)، والله من وراء القصد!
[email protected]