الصناعة الكويتية... حبلُ الخروج من نفق «البرميل»!

تصغير
تكبير

رغم عوامل النجاح إلا أن القطاع لم ينل الثقل الاقتصادي المطلوب

العقبات لا تزال كثيرة باعتراف الجهات الرسمية... وأهل «الكار»

الكويت بيئة اختبارية عالية الكفاءة لأي نشاط نظراً لمساحتها الجغرافية


مثّل عام 2014 نقطة تحول محورية في السياسات المالية والاقتصادية للحكومة، نتيجة أزمة النفط الذي هوت أسعاره لتسلك الموازنة العامة للدولة مسار العجز، وتدق ناقوس الخطر معلنة أن تنويع مصادر الإيرادات لم يعد خياراً.
وهنا، برزت الصناعة كرديف للإيرادات النفطية في خطط الإصلاح المالي والاقتصادي، إلا أن العقبات لا تزال باعتراف الجهات الرسمية وأهل «الكار» كثيرة وتحول دون انطلاقة القطاع بالشكل المطلوب، وذلك على الرغم من توافر عوامل نجاح حقيقية للصناعة الوطنية، لكنها لم تنل ثقلها الاقتصادي المطلوب كمصدر للإيرادات في الموازنة العامة، التي لا تزال عالقة بـ «عنق» البرميل وحده.
وفيما تركز التوجهات الرسمية المعلنة على تعزيز التنمية الصناعية كإحدى الوسائل الرامية إلى زيادة مصادر الدخل، والتي وجدت ترجمة لها في العديد من الوثائق، وفي مقدمتها قانون الصناعة رقم (6 لسنة 1965)، ظل نصيب القطاع في تنويع الدخل لا يمثل سوى نسبة ضئيلة لم تتجاوز 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل إلى ما دون 4 في المئة مع استبعاد نشاط تكرير النفط، وما يرتبط به من صناعات.
وهيمنت الصناعات الاستخراجية على هيكل ناتج القطاع الصناعي بثلثي الناتج المحلي الإجمالي بما نسبته 62 في المئة على حساب الصناعات التحويلية التي لا تشكل سوى 5.1 في المئة وفقا لإحصاءات العام 2012 التي ارتكزت عليها خطة التنمية.
وأبت الحكومة إلا أن تواجه نفسها، وبدأت تلمس طريقها نحو فك قيود الصناعة عبر رصد العقبات، وما يميز الكويت لتبدأ إستراتيجيتها الصناعية الحقيقية من تلك النقطة، حيث لحظت أن قطاع الصناعات التحويلية يشهد اختلالاً أشد عمقاً، إذ فاقت صناعة المنتجات البترولية بقية المنتجات الصناعية خلال الفترة من 2009 وحتى 2012، حيث مثلت «البترولية» 64 في المئة من إجمالي هيكل الصناعات التحويلية في المتوسط العام، بينما بلغ الوزن النسبي لبقية الصناعات 36 في المئة.
وخلصت إلى أن الصناعات التقليدية ذات القيمة المضافة المنخفضة والتطور التكنولوجي الأقل، أثرت على هيكل الصناعات التحويلية في الاقتصاد الوطني على حساب الصناعات ذات القيمة المضافة المرتفعة والتكنولوجيا المتطورة، وهو الأمر الذي يشكل في مجمله تواضعاً بالأداء نتيجة العديد من المعوقات.
في غضون ذلك، استهدف المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في خطته الإنمائية تغيير هيكل الناتج الصناعي، وزيادة معدل نمو القطاع إلى 8.3 في المئة، بمتوسط قدره 349 مليون دينار سنوياً بمساهمة أساسية من القطاع الخاص.
«الراي» ترصد في هذا التحقيق واقع الصناعة الكويتية، وطبيعة التحديات والصعوبات التي تعترضها، في مقابل فرص الدعم التي تتمثل في التسهيلات والإعفاءات الحكومية، فضلاً عن كون الكويت تعد بيئة اختبارية عالية الكفاءة لأي نشاط صناعي انطلاقاً من حجمها الصغير جغرافياً، وضخامة السوق الاستهلاكي بقدرة شرائية تصل إلى نحو 22 مليار دينار سنوياً، ليصح بذلك وصف الصناعة الكويتية بقطاع المليارات الضائعة.

الخرافي: الحكومة وحدها يمكنها تغيير المسار

أكد مسؤولون في اتحاد الصناعات أن الكويت تُعتبر بيئة اختبارية عالية الكفاءة لأي نشاط صناعي، مرتكزين في ذلك على عوامل عدة تجعلها نقطة انطلاق جاذبة لأي مبادر صناعي.
ولفت رئيس مجلس إدارة الاتحاد، حسين الخرافي، إلى أن الصناعة في الكويت مُغللة بقيود العوائق، وأن أغلب مفاتيح تلك القيود بيد الحكومة، وهي وحدها التي يمكنها تغيير مسار الصناعة الوطنية التي يتوافر لها مقومات نجاح غير اعتيادية، ترتكز في أساسها على ارتفاع القوى الشرائية للمستهلكين في الكويت، والتي تُعد ضمانة أساسية لنجاح المشروعات الصناعية التي توفر منتجات جيدة بمواصفات قياسية.
ودلل الخرافي على حديثه بأن النسبة الأكبر من المنتجات الموجودة في الكويت يتم استيرادها من الخارج، وأن هناك إقبالاً كبيراً على شرائها رغم ارتفاع أسعارها التي تتضمن تكاليف الشحن والجمارك، وهو ما يشجع على إنشاء صناعات كويتية رديفة، ذات جودة عالية تستطيع أن تنافس أيضاً لجهة السعر بتوفير تكاليف الشحن والجمارك كحد أدنى، وهو ما يعني أن الطريق مفتوح أمام الصناعات المحلية للنجاح في ذلك الجانب.
ونوه إلى أن انطلاقة الصناعة تستوجب التخلص أولاً من قيودها (العقبات) وأبرزها:
1 - نُدرة الأراضي المخصصة للأغراض الصناعية (القسائم الصناعية)، وذلك لجهة المساحات الجديدة المطلوبة لبدء الأنشطة، أو عدم وجود مساحات كافية تلبي التوسعات المطلوبة للأنشطة القائمة حالياً.
2 - البيروقراطية الحكومية، والتي تتمثل في بطء وطول الإجراءات والدورة المستندية، وما تمثله من عبء لا يتواكب والسرعة المطلوبة في عالم الصناعة.
3 - عدم تفعيل القرارات الصادرة في شأن أفضلية استخدام المنتج الوطني في مشاريع الدولة.
4 - انفتاح السوق المحلي على الاستيراد بصورة كبيرة تؤثر على المنافسة بين المنتج الوطني والأجنبي.
5 - غياب الوعي بأهمية التحّول الصناعي ودوره الاستراتيجي في خطة تنويع مصادر الدخل.
6 - تراجع حجم الصادرات الكويتية بسبب عدم قيام الحكومة بدورها في تقديم الدعم الكافي للصادرات.
7 - عدم وجود المراكز البحثية الوطنية المتخصصة التي تدرس القطاع الصناعي بصورة مستمرة.
وشدد الخرافي على أن تغيير واقع القطاع الصناعي في الكويت لابد أن يكون في مرتبة الأولوية القصوى على جدول أعمال مجلس الأمة، كونه الرديف الحقيقي والأكثر أماناً للنفط الذي يعد مصدر الإيراد الوحيد للدولة، وذلك بالعمل على إيضاح الرؤية العامة حول القطاع الصناعي وتحديد الوزن النسبي له في تنويع القاعدة الإنتاجية الوطنية، وكذلك أن تكون الرؤية الخاصة به مستقبلية وفق استراتيجيات بعيدة المدى محددة المعالم والغايات والوسائل وصولاً إلى تحقيق الهدف.
وأكد أن الانتفاع بالقوة الاقتصادية المهدرة للصناعة، ينبغي أن يقوم على أسس علمية واضحة، وهو ما يتطلب وجود مراكز بحثية وطنية تقوم بدراسات مستمرة ودائمة للقطاع والمنتجات المتاحة في الأسواق وذلك للوقوف على ما يلي:
1 - مضاهاة المنتجات الصناعية المحلية والمستوردة بالصورة السليمة والحصول على عوامل الدعم اللازمة للمنتج الوطني سواء لجهة السعر أو الجودة ليثبت دوره كمنافس قوي.
2 - تحديد الوزن النسبي المطلوب لكل نوع من أنواع الصناعات وفقاً لاحتياجات السوق المحلي، تحقيقاً لهدف الاكتفاء الذاتي أولا، ومن ثم الانطلاق نحو التصدير لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
3 - الربط بين الرؤى الحكومية وتطلعات الصناعيين وصولاً إلى الرؤية المشتركة المبنية على أسس واقعية.
4 - الرصد الدائم للعقبات والعمل على وضع خطط لتذليلها بصورة دورية تحقيقاً لعامل السرعة.
5 - الرصد الدائم للتشريعات والعمل على مقترحات تحديثها بصورة مستمرة لتلائم التغيرات في السوق الصناعي أولاً بأول.
بدورها، ذكرت مدير عام اتحاد الصناعات، هدى البقشي، أن الكويت تعد بيئة اختبارية عالية الكفاءة لأي نشاط صناعي، إذ إن صغر حجم الكويت وضخامة سوقها الاستهلاكي بجانب القدرة الشرائية العالية للمواطنين والمقيمين تفتح المجال أمام صغار المصنعين للمنافسة بمستوى أقل من المخاطر التي قد يواجهونها في الأسواق الأكبر حجماً، ما يجعل الكويت نقطة انطلاق جاذبة لأي مبادر صناعي.
ولفتت إلى أن الاتحاد أدرك تلك الملاحظة مبكراً وعمل من جانبه على دفعها قدماً من خلال أنشطته المحفزة للمبادرين الصناعيين مثل مشروع فرسان الصناعة، وكذلك مشروع  صناع المستقبل ناهيك عن  مشروع مصنع المبادرين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي