أطلق «لا» كبيرة في دراسة عن المشروع الذي «لا يحقق التعليم العالي المنشود ولن يبني صرحاً علمياً مهما دفعت فيه الأموال»

المليفي يرفض قانون «الجامعات الحكومية»: بنيان بلا أعمدة وقاعات بلا تعليم... ويكرّس واقعاً سيئاً

u0623u062du0645u062f u0627u0644u0645u0644u064au0641u064a
أحمد المليفي
تصغير
تكبير
  • رفضتُ المشروع منذ كنت وزيراً وأبديت عليه ملاحظات لم يأخذ القانون الجديد بأي منها 
  • إنشاء الجامعات بـ«قانون» عيب جوهري كان يفترض تجاوزه إلى «المرسوم» كالجامعات الخاصة 
  • إغفال القانون للبحث العلمي في شروط الترقي الأكاديمي سيحوّل الجامعة إلى مدرسة 
  • تضارب وعدم وضوح باختصاصات المجلس الأعلى ومجلس الجامعة ورئيسها 
  • السماح لعضو الهيئة الأكاديمية مزاولة مهنته خارج الجامعة يؤثر سلباً على أدائه فيها

رفض النائب والوزير السابق الدكتور أحمد المليفي مشروع القانون الذي تقدّمت به الحكومة لمجلس الأمة والخاص بإنشاء الجامعات الحكومية، مبينا أنه «لا يحقق التعليم العالي المنشود، ولن يبني صرحا علمياً مهماً دفعت فيه الأموال، حيث سيقيم بنياناً بلا أعمدة وقاعات بلا تعليم، ويكرّس واقعاً سيئاً».
ففي دراسة عن مشروع القانون في شأن الجامعات الحكومية والذي تقدمت به الحكومة الى مجلس الأمة مع طلب إعطائه صفة الاستعجال، حصلت «الراي» على نسخة منها، قال المليفي «إننا كتربويين نطلق (لا) كبيرة ضد مشروع قانون الجامعات الحكومية المعروض على اللجنة التعليمية البرلمانية، والذي من المفترض أن يكون المظلة التي تنشأ من خلالها الجامعات الحكومية. فالكويت محتاجة إلى أكثر من جامعة حكومية شاملة أو متخصصة، كما تحتاج إلى الجامعات الوقفية، والمؤمل من هذا المشروع أن يوفر الكفاءة والسهولة لإنشاء الجامعات الحكومية والارتقاء بها وبالتعليم العالي الى المستوى الأكاديمي الدولي، لذلك يعتبر هذا المشروع من الأولويات التي تستوجب سرعة مناقشته وإقراره لأنه سيوفر الغطاء القانوني لإنشاء مثل هذه الجامعات بالسرعة والوقت والكفاءة المطلوبة».
وأكد أنه رفض المشروع منذ كان وزيراً للتربية، وأبدى ملاحظات عليه، وباطلاعه على المقترح الذي قُدّم من الحكومة فإن هذه الملاحظات مازالت قائمة ووجب الإشارة إليها حتى يتم تفاديها لكي يحقق المشروع الهدف المنشود منه، بإنشاء جامعات مرموقة على المستوى الدولي تفخر بها الكويت ويفخر العاملون بها وخريجوها.


ومن أمثلة هذه الملاحظات تحديد أداة إنشاء الجامعات «القانون» وهذا عيب جوهري وشكلي كان ومازال عائقاً لإنشاء جامعات حكومية جديدة، هذا العائق تجاوزته الجامعات الخاصة بقانونها عندما اعتمدت «المرسوم» كأداة قانونية لإنشائها. كذلك من المهم أن تتقيد الجامعات الحكومية بالمعايير العالمية والدولية للتقييم لكي تلزم إدارتها الارتقاء بها وفقاً للمقاييس الدولية، ومن الملاحظات المهمة والخطرة هي تميز الجامعة بالبحث العلمي واغفال ذلك أو عدم اشتراطه، كما فعل المشروع سيحول الجامعة الى مدرسة، فاعتماد سنوات الخبرة فقط للترقي الأكاديمي دون اشتراط البحث العلمي فيه انتقاص لدور الجامعة، فالجامعة ليست فقط مكاناً للتدريس بل يجب أن يكون البحث العلمي ركناً من أركانها، وشرطاً من شروط ترقية أعضاء هيئتها التعليمية، بل إن تقييم الجامعة ومكانتها على المستوى الدولي أحد أهم محدداتها مدى اسهامات بحوثها في تطوير الحياة العامة، لذلك فإن إلغاء شرط البحث العلمي في الترقي هو ردة علمية لا يجوز السقوط بها.
وبين ان الجامعة الحالية تعاني من قلة أعضاء هيئة التدريس، وأحد أهم أسباب هذه المعاناة نظامها القائم على استبعاد الكفاءات من الخريجين الجدد وعدم الاستفادة من المتقاعدين، وللأسف يأتي هذا المشروع ليقنن هذا الخطأ بالنص عليه. كما تعاني جامعة الكويت من انشغال أعضاء هيئتها التعليمية بل وتنازعهم على الأعمال الإدارية والمهام الخاصة، مما أثر سلباً على تقييم الجامعة عالمياً، كما أثر على أداء عضو هيئة التدريس داخل الجامعة ومن ثم على مخرجاتها العلمية، وللأسف المشروع المقدم لم يعالج هذا الوضع الخاطئ بل للاسف قام بتقنينه. وفي ما يلي الملاحظات التي ذكرها المليفي في دراسته:
-1 مشروع القانون ينص في المادة (2) والمادة (4) منه على أن يكون إنشاء الجامعة بقانون. وهذه الأداة «القانون» معيبة، حيث كان من المعيق سابقاً لإنشاء جامعات حكومية جديدة وجوب صدور قانون بها، فالكل يعلم مدى صعوبة إصدار قانون لكل جامعة، وما يصاحب ذلك من دورة تشريعية طويلة تجعل من إنشاء جامعة جديدة، رغم الحاجة لها من الأمور المعقدة، وقد تخضع للشد والجدال السياسي الذي يبعدها عن أهدافها الأكاديمية كما حدث لقانون إنشاء جامعة جابر الأحمد. لذلك ومن أجل المزيد من المرورنة وكما هو الحال في القانون رقم 34 /‏‏ 2000 بانشاء الجامعات الخاصة حيث تنشأ كل جامعة بمرسوم وليس بقانون. لذلك وجب تغيير أداة إنشاء الجامعات من القانون إلى المرسوم.
-2 المادة (3) من مشروع القانون تنص على أن «تلتزم الجامعة بالقيم المنبثقة من الحضارة العربية والإسلامية....» يجب أن يضاف لها بأن يكون لكل جامعة «ميثاق القيم والأخلاق الجامعية». كذلك في البند (5) من المادة المذكورة يجب تعديل النص ليكون «الالتزام بتقييم الأداء الجامعي وفقا للمعايير العلمية والدولية....» وليس فقط الاهتمام حيث إنها كلمة مطاطة لا تؤدي الغرض المطلوب منها للنهوض بالجامعة على أكمل وجه وبما يتماشى مع المعايير العالمية فكلمة «الاهتمام» فقط سيكون نهايتها الإهمال.
-3 تنص الفقرة الأخيرة من المادة (6) من المشروع على أن «تدير الجامعة أموالها طبقاً لما تحدده اللائحة الداخلية، ولا تخضع الجامعة لأحكام قانون المناقصات المشار إليه ولا الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة». وهو أمر جيد منح الجامعة المرونة الكافية لإدارة شؤونها المالية، إلا أن استثناءها من قانون المناقصات يجب أن يقابله النص على تشكيل لجنة خاصة في الجامعة يشارك فيها أعضاء من الخارج، وتنظم اللائحة الداخلية إجراءات تقديم المناقصات والبت فيها والتظلم من قراراتها، بما يحقق مزيدا من الشفافية والعدالة لمناقصات الجامعة.
-4 هناك تضارب وعدم وضوح في اختصاصات المجلس الأعلى للجامعات واختصاصات مجلس الجامعة ورئيس الجامعة، فهناك قرارات يجب أن تعرض على مجلس الجامعات قبل تنفيذها لم تتم الاشارة لها مما سيؤدي الى تداخل الاختصاصات وتنازعها، فهناك فرق بين اعتماد الإجراء بصورة نهائية من قبل الجامعة وبين اقراره تمهيداً لرفعه الى مجلس الجامعات الأعلى لاقراره بصفة نهائية.
ومن أمثلة عدم الوضوح كذلك البند (7) من اختصاصات المجلس الأعلى للجامعات حيث يكون فيه الحق للمجلس وقف الدراسة في الجامعة كلياً أو جزئياً، في حين أن من اختصاصات رئيس الجامعة الحق في وقف الدراسة في الجامعة في حالات الضرورة لمدة لا تجاوز ثلاثة أيام. البند (4) من المادة (13) من مشروع القانون. موضوع الاختصاصات بين مجلس الجامعات الأعلى ومجلس الجامعة ورئيس الجامعة يجب اعادة مراجعته لإحكام الصياغة.
-5 البند (22) من المادة (11) اختصاصات مجلس الجامعة قصر الاستعانة بالمتقاعدين من أعضاء الهيئة الأكاديمية حين نص على أن «وضع الضوابط الخاصة بالاستعانة بالمتقاعدين من أعضاء الهيئة الأكاديمية على نحو يحقق الاستفادة الكاملة من خبراتهم» وهذا الحصر لا يحقق أهداف الجامعة ويمنعها من الاستفادة من المتقاعدين من الجهات الأخرى التي يمكن أن تستفيد منهم الجامعة ليثروا بتجربتهم الأكاديمية والعملية الجامعة والطلبة مثل العاملين في وزارة الخارجية والفتوى والتشريع والقضاء وغيرهم، لذلك نرى إضافة كلمة «وغيرهم» بعد أعضاء الهيئة الأكاديمية. لذلك وجب تعديل النص بحيث تتم الاستفادة من المتقاعدين سواء كانوا من أعضاء الهيئة الأكاديمية أو غيرهم وفقاً للشروط التي يضعها مجلس الجامعة.
-6 المادة (12) تنص على أن «يعين رئيس الجامعة بمرسوم لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ويشترط فيه أن يكون من بين أعضاء الهيئة الأكاديمية، وأن يكون شغل درجة أستاذ لمدة أربع سنوات على الأقل.... الخ». واشتراط أن يكون رئيس الجامعة من بين أعضاء الهيئة الأكاديمة فيه تضييق غير مبرر، أولاً في حالة الجامعة الجديدة كيف سيكون من أعضاء الهيئة الأكاديمية ولم يتم التعيين بعد. كذلك يمكن أن تكون الجامعة متخصصة وتحتاج الى رئيس من خارج الجامعة وقد يكون من خارج الكويت لمنح الجامعة سمعة أكاديمية في بداية انشائها، لذلك فان هذا النص سيقف عائقاً أمام ذلك.
لذلك وجب تغييره بما يحقق المرونة الكافية للجامعة في التعيين على أن تكون الأولوية في تعيين رئيس الجامعة من بين أعضاء الهيئة الأكاديمية.
-7 المواد من (14- 15- 16- ) تشترط بأن يكون عضواً أكاديمياً من يعين نائبا لرئيس الجامعة أو نائبا لنائب رئيس الجامعة أو أمين عام. وهذا الاشتراط ليس له ما يبرره، إذ إن بعض نواب المدير ونائب المدير والأمين العام لا يحتاج عملهم للتخصص الأكاديمي، مثل: الشؤون المالية أو الإدارية أو الأنشطة الطلابية/‏‏ فاشتراط أن يكون عضواً أكاديمياً سيحرم الجامعة من الاستفادة بخبرات غير أكاديمية، كما أنه سيشغل الأكاديميين في الأعمال الإدارية عن عملهم الرئيسي في التدريس والبحث العلمي. لذلك أرى أن يرفع هذا الشرط.
-8 البند - ج - من المادة (21 ) من المشروع ينص على اختيار عضو هيئة تدريس عن كل من الأساتذة والأساتذة المشاركين والأساتذة المساعدين بالانتخاب، ليكون عضوا في مجلس الكلية عن الفئة التي يمثلها، عملية الانتخاب قد تؤدي إلى صراع وتنافس يؤثر على الطبيعة الأكاديمية للكلية، كما أنه سيحرم الأقلية من هذا المنصب رغم أنه قد تتوافر فيهم الكفاءة، لذلك أقترح أن يكون التمثيل عن طريق التدوير فيكون اختيار العضو بالتناوب بحيث لا يختار أحد أكثر من مرة لمجرد أن لديه الغالبية، ولا يحرم آخر من المنصب لأنه ليس لديه غالبية.
-9 المواد( 25-30 ) قد حددت شروط الترقية بمرور الوقت، وألغت البحث العلمي والإبداع والتميز للحصول على الترقية، وهذه سقطة كبيرة ستؤثر على المستوى العلمي للجامعة وتحولها الى مدرسة وعضو هيئة التدريس الى معلم مهمته القاء الدروس فقط، وهذا خطأ فادح سيؤدي الى تراجع البحث العلمي بالغاء الحافز له. نعم هناك خلل يرتكبه البعض في البحث العلمي ولكن معالجته ليست بالغاء شرط البحث العلمي وإنما بربط الترقية ببحث تعود فائدته على المجتمع بشكل ملموس ويمكن قياسه، لذلك وجب أن تربط الترقيات بالمدة مع البحث العلمي للارتقاء بمستوى الجامعة.
-10 الفقرة الثانية من المادة(31) تسمح لعضو الهيئة الأكاديمية مزاولة مهنته خارج الجامعة أو داخلها في أوقات العمل الرسمية أو غيرها بشرط ألا يتعارض هذا الترخيص مع واجبات وظيفته الجامعية وحسن أدائها، ولا مع القوانين واللوائح المعمول بها في مزاولة المهنة. كما أجازت لعضو الهيئة الأكاديمية القيام بعمل من أعمال الخبرة أو اعطاء استشارة في موضوع معين بترخيص من رئيس الجامعة بناء على عرض عميد الكلية وموافقة مجلس القسم العلمي. لقد أثبت التطبيق العملي لهذه الممارسة عدم نجاحها وتأثيرها السلبي على أداء أعضاء الهيئة الأكاديمية داخل الجامعة سواء في مجال التدريس أو البحث العلمي، كما أثبت التطبيق العملي لها عدم امكانية أو فعالية الرقابة عليها، لذلك نقترح الغاءها مع السماح لعضو الهيئة الأكاديمية بإعطاء الاستشارات أو القيام بأعمال الخبرة بواسطة الجامعة ومن خلال التعاقد معها ليكون تحت إشراف الجامعة ويكون عائدها العلمي والمالي في رصيد الجامعة مع حفظ حق عضو هيئة التدريس المادي والمعنوي.
-11 المادة 37 المتعلقة بالعقوبات التأديبية تفتقد الى التدرج، لذلك وجب اضافة عقوبات أخرى مثل: الإيقاف عن التدريس وتأخير الترقية.
أخيراً نقول إن الهدف من انشاء الجامعات الارتقاء بالمستوى التعليمي، من خلال بناء صرح أكاديمي ثقافي، والتعليم العالي له أهمية كبيرة في تحقيق التنمية البشرية، وتوفير الطاقات، ولا يمكن تحقيق أهداف التنمية إلا من خلال تطوير الجامعات الذي لن يتحقق إلاّ من خلال تطوير العاملين فيها.
إن الصرح الجامعي مهما ارتفع بنيانه لا يحقق المكانة العلمية للجامعة على المستوى العالمي، إنما هذه المكانة تتحقق من خلال أعضاء هيئة التعليم فيها وقدرة خريجيها على تلبية احتياجات سوق العمل. لذلك فان على من يضع قانون الجامعة أن يراعي الالتزام بأصول البحث العلمي والتطور، وإذا أردنا تطوير الجامعة فعلينا أن نؤكد دور الأستاذ الجامعي كمرشد وموجه للعملية التربوية، وليس ملقّنا كما هو الحال في الدراسة قبل الجامعية. وعلى عضو هيئة التدريس في التعليم العالي أن يعلم أن حصوله على الشهادة الجامعية هو البداية الحقيقية للبحث العلمي الذي يطور فيه مداركه ويخدم فيه مجتمعه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي