جودة الحياة
يداك أوكتا وفوك نفخ
في حفل أحد فنيي البناء بمناسبة انتهاء خدماته، طلب منه مدير الشركة أن يختتم عمله ببناء منزلٍ يكون شاهداً وصرحاً على فنه وخبرته، وليبقى ذكرى جميلة منه للشركة التي عمل بها، وأن يختار في بناء هذا المنزل أحسن وأجود المواد، ويبرز فيه مهاراته وإتقانه لعمله.
احتار هذا الموظف في أمره، وهو قد أحيل إلى التقاعد، فمن ذا الذي سيحاسبه بعد أن أصبح خارج تحمل المسؤولية.
وبعد تفكير ارتأى هذا المتقاعد أن يبني المنزل بسرعة، بغض النظر عن جودة المواد المستخدمة، والإتقان في الإعداد والبناء. وبعد إنجاز البيت وتسليم مفاتيحه، شكره المدير، وطلب منه الاحتفاظ بهذا المنزل لنفسه، لأن هذا المنزل هو هدية الشركة له، نظير خدماته وتفانيه في عمله.
لقد صعق هذا الموظف من سوء تصرفه وتسرعه، فالمنزل الذي سيقطنه كان من الممكن أن يكون بأفضل وأحسن المواصفات، لكنه آثر التزام الصمت بعد أن أصابته الخيبة، لأنه أساء التصرف وخان الأمانة بحق نفسه وشركته معاً.
إن ما حدث هو مصداق للمثل العربي القائل: «يداك أوكتا وفوك نفخ»، أي أن الإنسان يحصد ما يزرعه، والجزاء يكون من جنس العمل، ولكن ما الذي جعل هذا الموظف يتصرف بشكل لا مبال، وهل لهذا الإهمال علاقة بغياب المحاسبة نظراً لانتهاء خدماته ؟!
بقليل من التفكير والتمحيص يمكن أن نستنتج أن لهذا التصرف أسباباً عديدة، يمكن أن تكون عوامل موضوعية أو عوامل شخصية تتعلق بالفرد ذاته. ومن أهم هذه العوامل الإحباط الذي يصيب العاملين في المؤسسات المختلفة، بسبب انعدام التشجيع والحوافز والشعور بعدم الرضا لعدم حصول الموظف على الترقية التي يستحقها، أو وصول هذه الترقية إلى آخرين لا يستحقونها، وكذلك إحالته إلى التقاعد وهو في قمة عطائه وقدرته على الإنجاز والعمل. ويوجد أيضاً عوامل تتعلق بسلوك هذا الموظف ناتجة عن التربية، أو ما يدور من أحداث في المجتمع قد تخلف أحياناً الإحباط لدى الأفراد والذي قد ينعكس سلباً على بناء شخصياتهم وسلوكياتهم.
وللتغلب على مثل هذه السلوكيات السلبية لدى أفراد المجتمع، لا بد من تضافر الجميع أفراداً وأسراً ومنظمات المجتمع المدني لمحاربة مثل هذه الظواهر، ولتشجيع الأفراد على الالتزام الطوعي والذاتي بالسلوكيات الإيجابية تجاه أنفسهم ومجتمعاتهم والحرص على توفير الظروف المثلى، خصوصاً للأفراد المتميزين الذين يمتلكون المبادرات الفعالة والخلاقة في تطوير العمل، وتقديم الحوافز المشجعة لهم وإظهارهم كقدوة ينبغي الاقتداء بهم.
والنتيجة ستكون عطاءات متميزة ومستمرة لأنفسنا ومجتمعاتنا، وحتى إن لم نتلق استحساناً من الآخرين، فإن إتقان العمل الموكل إلينا سيوفر لنا على الأقل الرضا عن النفس والشعور براحة الضمير واحترام الذات وهذا هو الأهم.
مستشار جودة الحياة
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]