في ظل كتابات سريعة جاهزة تنتظر «الإعجاب» وتبادل المجاملات
هل «الإنترنت» قادر على تهيئة أسماء أدبية... يخلّد إبداعاتها التاريخ؟
السؤال الذي سنتواجه به خلال فترة زمنية ليست ببعيدة مفاده: من هم الأدباء الذين بدأت عطاءاتهم الأدبية والإنترنت فاتح صفحاته وموقعه لهم، من دون تمييز أو تفريق أو حتى تدقيق؟
سنصل - قريباً- إلى الوقت الذي سنتوقف فيه لنسأل عن الأدباء الذين اتخذوا من الإنترنت ساحة لجولاتهم الأدبية، وتمكنوا من صناعة مستقبل الأدب، أو أن أسماءهم تضارع أسماء من سبقوهم من أدباء لم تكن ساحتهم مفتوحة على الفضاء المترامي الأطراف؟
إنها مساحة لا حدود لها، تلك التي وفرها الإنترنت لمستخدميه - بمواقعه المختلفة - ولم يضع أي شروط أو يحدد أي مواضيع يجب الكتابة عنها، كما لم يتدخل في صياغة أي فكرة، أو إظهار أي اعتراض على سطحية الصياغة أو تفاهة الكتابة، فقط... حينما تأتيك الكتابة فإنك تكتب وتنشر، وانتظر المعجبين، الذي سيطلون عليك من خلال ما يطلق عليه «رد الجميل»، ليتوقف المستخدم أمام ما كتبت - وفي الغالب لا يقرأه - ثم يسترجع ماضيك معه، هل تفاعلت مع كتاباته أم لا؟، وحينما تأتيه الإجابة سيقرر وضع أيقونة الإعجاب أو عدم وضعها... وتجاهلك، كما قرار التعليق على ما كتبه سيحدده مقدار تعليقك على ما كتبه سابقاً!
ومن ثم هذه الكتابات العشوائية ملأت الإنترنت، في ظل ما تشهده الساحة من تراجع ملحوظ للنشر الورقي سواء في كِتَاب أو عبر الجرائد والمجلات الورقية، وفقدان متزايد في أعداد النقاد الذين - في اعتقادي- أنهم اقتصروا على أولئك الذين تفتحت مداركهم الإبداعية على القراءة الورقية، واستشرفوا لغتهم النقدية من خلال الجدية والحرص على تتبع الجمال والنفور من القبح، في ما لم نسمع ولو عن طريق الصدفة عن ناقد - يعول عليه - خرج من الجيل الذي لم يكن أمامه سوى الإنترنت ليكون ملاذه للفهم والتثقيف.
نحن مقبلون على زمن سنتوقف فيه قليلاً لنحصي أعداد المبدعين الذين لهم الفضل في حياة مجتمعاتهم، من خلال كتابات تسير في دروب وعرة وطرقات غير ممهدة، من أجل الوصول إلى رؤى إنسانية تفتح المجال أمام المدارك والأذهان تجاه الجمال، أو تبديد الغبار والغشاوات من أجل رؤية واضحة وحقيقية للواقع.
فالجيل الذي تربى على الكتابات السريعة الجاهزة، وانتظار «الإعجاب»، وتبادل المجاملات، والبحث عن الخفيف واللطيف للكتابة عنه، والابتعاد عن كل ما يراه ثقيلاً لا يفضله متابعوه، حتى لو كان هذا «الثقيل» أمراً يتعلق بالمجتمع، أو قضية تحتاج إلى الكتابة الإبداعية...هل يستطيع أن يخرّج من صفوفه عددا من المبدعين الذين نحسبهم على قائمة المؤثرين في حياة مجتمعاتهم، ومن ثم نحكي أنهم أثروا الساحة الثقافية بكل ما هو مفيد ومتميز؟
فهذا الجيل - الذي سننتظره - بعدما استحكمت حلقات الفقد والغياب للأجيال التي تميزت في ما قبل ظهور النت، وقاومت الأفول لفترة وجيزة ولكنها سرعان ما أفلت ورضخت للأمر الواقع، وتأكدت أن الساحة ليست لها... هل بمقدوره أن يترك أسماء لامعة يسير على دربها الجيل الذي يليه...؟
أم أن المسألة ستتوقف عند حد النشر الإلكتروني، الذي يتبخر بمجرد نشره، ثم يتطاير متحولاً إلى غيوم سوداء، لا تهطل إلا الفراغ الذي يعقبه الفراغ.
إنها مسألة غاية في التعقيد ولا يمكننا أن نتوقع فيها النور، الذي تهاوت أشعته خلف ستائر الظلام، وتحوّلت حقيقتها إلى خرافة، رغم أنها شاخصة أمامنا، إلا أنها عصية على الفهم، وغير قابلة لإقناع الأذهان، التي لا تزال مشدودة إلى المجهول.