تعليمات «المركزي» أشعلت نقاشاً حول إيجاد مخرج شرعي
هكذا ستسقط البنوك الإسلامية فوائدها إذا سدد العميل مبكراً
«المركزي» اعتمد على رأي ابن حنبل... «صاحب السلطة يقدّر المصلحة»
المصارف وجدت أمامها فتاوى متباينة فاختارت أيسرها
لا يمكن اعتماد الهِبة مخرجاً شرعياً خوفاً من المزاجية والاجتهادات الشخصية
هل يجوز للبنوك التي تعمل وفقاً للشريعة الاسلامية إسقاط عوائدها على ما تبقى من أقساط تمويلاتها في حال قرر العميل السداد المبكر؟
هذه السيرة انفتحت لدى المصارف المعنية بعد التعديلات التي أدخلها بنك الكويت المركزي أخيراً على قواعد وأسس منح القروض، وعمليات التمويل الشخصي للأغراض الاستهلاكية، لا سيما وأنها ألزمت الجهات المانحة، ومن بينها التمويل الإسلامي المسدد، بعدم احتساب فوائد في حال السداد المبكر.
في التنظيم، سجّل «المركزي» نجاحاً في تعليماته الجديدة التي راعت التعقيدات والتطورات التي دخلت على هيكل الاجور والرواتب وكذلك معدلات التضخم في السنوات الـ15 الأخيرة (منذ إقرار التعليمات السابقة)، للدرجة التي بات فيها أعلى حد ائتماني استهلاكي غير مناسب لشراء سيارة جديدة من فئة دارجة.
ويرجح في هذا الخصوص أن يثمر رفع سقف التمويل توازناً دقيقاً بين مصالح البنوك، بالتوازي مع تحقيق مصلحة العملاء.
أما شرعياً، فقد تحت هذه التعديلات نقاشاً مصرفياً مع الهيئات الشرعية، حول مدى مطابقة المعاملات التي يجرى عليها لاحقاً تنازلاً عن مقدار العائد المستحق عن الفترة المتبقية في حالة إعادة ترتيب شروط التعاقد، التي ينتج عنها سداد مبكر للتمويل الإسلامي، مع أحكام الشريعة؟
في السابق دفعت تعليمات سابقة لـ«المركزي» حول إعادة جدولة القروض بعض البنوك التي تعمل وفقاً للشريعة الإسلامية وفي مقدمتها «بوبيان» إلى البحث عن مخرج شرعي يحافظ على حصة البنك السوقية بما لا يخالف تعلميات الناظم الرقابي، حيث تبنى إسقاط جزء من أرباحه من التمويل كهبة لعملائه عند إعادة جدولة المديونيات أو السداد المبكر، بعد ان أفتت غالبية الهيئات الشرعية بجواز ذلك، على ألّا يكون ذلك شرطاً أو منصوصاً عليه في العقد الموقع بين البنك والعميل.
لكن هذا الحل لم يقنع «المركزي» كثيراً، بحجة أنه هذه المرة يضع تنظيماً إجرائياً لا ينبغى أن يبنى تنفيذه على مزاجية أو اجتهادات شخصية لكل بنك، ما دفع البنوك وقبلها الناظم الرقابي إلى البحث عن فتاوى أخرى.
بالنسبة لـ«المركزي» يبدو بحسب مقربين أنه استند في قراره على رأي الإمام أحمد بن حنبل، الذي أعطاه كصاحب سلطة رقابية الحق في تحديد ما يراه مناسباً لخدمة جميع المصالح لكل الأطراف ذات العلاقة، خصوصاً وانه جهة حيادية ليس من مصلحتها الانحياز لجهة ضد أخرى.
أما البنوك فوجدت أن بإمكانها الاعتماد على أكثر من رأي ديني وفتوى شرعية تبيح ذلك مع الأخذ بالإعتبار أن هناك أخرى لا تسمح، لكن هذا الاختلاف هذا في حد ذاته أعطى للبنوك هامشاً شرعياً في تطبيق التعليمات الجديدة.
وبيّنت المصادر ان البنوك الاسلامية تحركت لإيجاد صيغة مقبولة شرعاً تسهل الاتفاق بين البنوك على صيغة السماح بإسقاط عوائد ما تبقى من أقساط في حال السداد المبكر، إنطلاقاً من قاعدة ان «المركزي» بمثابة ولي أمر يتعين طاعته، مع الحرص على عدم مخالفة توصيات هيئاتها الشرعية لجهة عدم الشرط المسبق أو الاتفاق مع العميل.
ورغم النقاش الشرعي الذي فتح بخصوص التعليمات الرقابية الجديدة، إلا أن البنوك متوافقة على أن رفع سقف الائتمان سيخدم جميع أطراف المعادلة، وذلك في إطار علاقة متوازنة بين البنوك وعملائها، فمن ناحية ستقود هذه التعليمات إلى الارتقاء بأداء القطاع المصرفي بما يخدم جميع عملاء البنوك ويحفظ حقوقهم.
ومن ناحية ثانية يمكن القول إن التعليمات الجديدة تنسجم مع مقدرة وتطلعات البنوك خصوصا الحديثة من النمو على اساس ان السماح للعميل الحصول على قروض جديدة بحد يستقيم مع الارتفاع الحاصل لأسعار السلع الاستهلاكية.
وعموماً يعتقد المصرفيون أن التعليمات الجديدة ستسهم في تحفيز سوق الائتمان المحلي وستؤدي إلى فتح باب المنافسة أكثر بين البنوك على استقطاب العميل، بما سينعكس إيجاباً على الخدمات التي تقدمها الجهات التمويلية وأسعارها، وهنا تكمن المصلحة العامة.