د. مبارك الذروه / خليفة الله

تصغير
تكبير
كثيراً ما نوجه أدوات التشخيص لأمراضنا التي تفتك بنا وتصيب الوطن في مقتل. والمشكلة أننا نعتقد أننا أصبنا كبد الحقيقة ثم بعد ذلك نفاجأ أننا إنما كنا نشخص أعراضاً لأمراضنا وليس المرض في حقيقته.
وفوق مأساة التشخيص الخطأ فإننا نستخدم أسلوباً في التشخيص يتسم بالتجزيئية لأعراضنا فيزداد افتراقنا عن الحل وابتعادنا عن مواطن الخلل. فالسياسي يعلل مشكلاتنا ويرجعها إلى التخلف النيابي والتردي الحكومي والصراع السياسي بين القوى السياسية المتطاحنة. وعلى هذا التفسير ينحو كثيرون من السياسيين. وهذا يذكرني بتفسير جمال الدين الأفغاني الذي يرى تخلف الأمة بسبب الاستعمار واستبداد الأنظمة. والاقتصادي يفسر أسباب التخلف والمعاناة التي نمر بها بسبب هبوط أسعار البترول والأزمة العالمية ومشاكل البورصة ونقص السيولة في البنوك وغلاء الأسعار. وقس على ذلك والدعاة إلى الله يفسرون ذلك التخلف بالابتعاد عن العقيدة وأصول الإسلام وانتشار الفساد في الأرض. وهكذا تتنوع الرؤى والتفسيرات لأدوائنا وأمراضنا.
وهناك من ينظر إلى الإنسان باعتباره محور الكون ولأجله قامت السماوات والأرض. أليس بناء الإنسان هو أحد شروط التنمية ورأسمالها البشري؟ أليس هو خليفة الله في الأرض، كما قال تعالى في كتابه العزيز المجيد «ويجعلكم خلفاء الأرض».

بناء الإنسان المخلص لوطنه ولأمته، والذي يعمل من أجل حلم لطالما راود الشرفاء الأوفياء.
وذلك بأن يعمل الطبيب في عيادته فيخلص في كشف مرضاه ويسعى جاهدا في تشخيصهم وتقديم الدواء لهم، وبأن يبذل المعلم واجباته التربوية والتعليمية لخلق جيل واعٍ ومدرك لأهمية التعليم وخطورته، وبأن يدرك كل موظف في أي موقع كان أنه مؤتمن وأن الله سائله وأن التردي الذي نعانيه هو من تخاذله، وليبدأ بنفسه... «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
معذرة يا رجال الاقتصاد فعلاج أدوائنا ليس بضخ الأموال أو بوقف التداول أو تحديد الأسعار أو غيرها من الحلول المرقعة. فلسنا أشطر من الأميركيين الذين فشلت محاولاتهم، وبدأت أزمتهم تغزو صناعة السيارات لشركات كبرى مثل جنرال موتورز وفورد وغيرها. ومعذرة يا رجال السياسة فليس العلاج في الحل الدستوري أو «بدعة» الحل غير الدستوري، ولا بتغيير الحكومات تلك الحكومات. وعذراً للمخلصين المتدينين إذ ليس التغيير في فرض العقيدة وتطبيق أحكامها عنوة على الأمة والوطن.
إن فلسفة التغيير لأوضاعنا تبدأ من الداخل من النفس الإنسانية «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وهذا بيت القصيد...
إنه الإخلاص الذي يحوّل خمول المرء وفتوره إلى طاقة جبارة نشطة... ويبعث الحياة في النفوس الصدئة، فيحركها للعمل والعطاء. إخلاص العمل لهذا الوطن، ونحن أحوج ما نكون إلى حب الوطن. حماية وحدته وحفظ ماله من أيدي العابثين. وتقديم العون له وإنقاذه قبل فوات الأوان، ولات حين مندم.
ألا تستحق الكويت منا أن نعمل من أجلها ابتغاء رضا الله والخوف من غضبه في خيانة أمانة الخلافة التي أودعنا إياها... وهي الأمانة التي قبلها الإنسان بعد إشفاق السماوات والأرض والجبال من حملها.
د. مبارك الذروه
كاتب وأكاديمي كويتي
maltherwa@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي