جودة الحياة
اصبر... تلقَ خيراً!
من خلال عملي في مجال الاستشارات النفسية والاجتماعية، أو حين يطلب مني الأهل أو الأصدقاء المشورة والنصيحة لحل معضلة أو مشكلة تعترض طريقهم أو تعرقل متابعة حياتهم بشكل طبيعي واعتيادي،غالباً ما أجد أن حل هذه المشكلة هو في التريث والصبر والانتظار، ولا أجد جواباً مناسباً إلا في المثل القائل «اللي بالجدر يطلعه الملاس» حتى ارتبط هذا المثل بي عند أهلي ومعارفي، ويعني هذا المثل أن الملعقة ستغرف ما يحتويه الوعاء مهما كبر حجمه وكثرت محتوياته حتى نصل في نهاية المطاف إلى قعر الوعاء بالمتابعة والصبر وعدم الاستعجال.
ولماذا الاستعجال في أمور معروفة النتائج تعتبر من البديهيات، ونحن على يقين أن الملاس «الملعقة» ستخرج ما يحتويه الجدر «الإناء».
إن كثيراً من الناس يتعجلون ردات أفعالهم، ويتصرفون دون تفكير أو تمحيص لما قد يلم بهم أو يصادفهم من أحداث ووقائع في حياتهم، مما يوقعهم في سوء التقدير أو التصرف بالشكل غير المناسب. ولو أنهم صبروا وتريثوا قليلاً لكان خيراً لهم ولمن حولهم. يقول الله تعالى في سورة الإسراء «وكان الإنسان عجولاً».
من صفات الإنسان أن يتعجل في ردة فعله لأسباب عديدة، وغالباً ما تكون ردات الفعل هذه عفوية ومن دون تفكير منطقي وبدون الأخذ بعين الاعتبار للعواقب المحتملة نتيجة لردة فعل قد تجعله يندم حيث لا ينفع الندم. ولو أنه صبر وتريث وأخذ وقته في التفكير لتفادى الإحباط الناتج عن تسرعه.
إن حل كثير من المصاعب التي تواجهنا لا تحتاج أخذ مواقف وتصرفات معينة، بل تحتاج لقليل من الصبر والتأني وسيتكفل الوقت طال أم قصر بحل هذه المشكلة، في حين أن الاستعجال في ردة الفعل في أغلب الأحيان سيفاقم هذه المشكلة ويجعل حلها أكثر صعوبة، وقد يغلق أبواب الحل التي كانت متاحة للتغلب على هذه المشكلة وحلها.
فلكل مشكلة حل، وهذا يتطلب منا عدم التسرع وطلب حلول مستعجلة وسريعة أو حلول معلبة جاهزة، فما ينفع غيرك من حلول قد لا يتفق معك ومع ظروفك، كما أن علينا التحلي بالصبر الجميل المبني على أساس القناعة والرضى وقبول الواقع وعدم الشكوى والتذمر وانتظار ما سترسو وتسفر عنها الأمور وتستقر عليها الأوضاع. وقد يكون الحل الأمثل هو في تجاهل هذه المشكلة وعدم التطرق إليها أو بحثها.
وقد يكمن الحل في اتخاذ التدابير المناسبة بعد أن تستقر الأمور وتهدأ النفوس، وقد لا يكون الحل لموضوع ما بأيدينا أو رهن إرادتنا وسيكون التدخل من قبلنا في هذا الإشكال مدعاة لتعقيد الأمور وتدفع الأطراف المعنية للتعنت والإصرار على مواقفهم، بغض النظر عن صوابية هذه المواقف.
ختاماً نقول إنه عند تناول أي حدث أو مشكلة تطرأ على حياتنا، وجب علينا أن نتصرف بشكل يتلاءم مع نوع المشكلة وأن نتمهل في حلها، وهذا الأمر يحتاج إلى تدريب النفس على الصبر والأناة وعدم الاستعجال، وكما بدأنا في مقدمتنا بالمثل أن «اللي بالجدر يطلعه الملاس»، فليس من الحكمة أن نهول على أنفسنا ونعقد الأمور، ولا أن نبسطها ونستخف بها، وحتى التجاهل يمكن اعتباره حلاً من هذه الحلول التي يمكن اتباعه.
فعلينا التعود على التحلي بالصبر الجميل في جميع أمور ونواحي حياتنا للوصول إلى الحل الأمثل الذي يرضينا.
* مستشار جودة الحياة
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]