أكاديميون لـ «الراي»: سمو الأمير «حامي الدستور» يجدد تأكيد حفظه ومرجعيته
دستور الكويت في ذكراه الـ 56... فخر متواصل بلحظة فارقة في مسيرة الديموقراطية
هشام الصالح: الذكرى مناسبة للتفكر وإعادة تصحيح المسار بضرورة الحفاظ على التمثيل الحقيقي لإرادة الأمة
إبراهيم الحمود: الأيام أثبتت أنه عماد لتماسك الوطن بتنظيم السلطات العامة وخلق العقد الاجتماعي
عبدالله الهاجري: لا ننسى موقف الشيخ سعد العبدالله ودوره في صناعة الدستور وخروجه للنور
تستذكر الكويت بمزيد من الفخر والاعتزاز لحظات فارقة في مسيرة الديموقراطية وبناء الدولة الحديثة، بعد أن صادق سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم الحادي عشر للكويت على دستورها يوم 11 نوفمبر عام 1962.
واليوم تحتفل الكويت بالذكرى الـ56 لإقرار تلك الوثيقة المهمة، التي مازال ينظر إليها الكويتيون بكثير من التقدير والإجلال، لاسيما وأنها نظمت العلاقة بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. فالدستور الكويتي الذي يحوي خمسة أبواب تضم 183 مادة تضع الملامح الرئيسة لنظام الحكم في الكويت وترسم الخطوط العريضة، صدر في 26 أغسطس 1961 مرسوم بالدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي يتكون من عشرين عضوا لإعداده، حيث تم تحديد موعد انتخاب اعضاء المجلس التأسيسي في أول نوفمبر 1961، ثم تم تأجيل الموعد الى 1961/12/2، و تأجل بعد ذلك كي يعقد في 1961/12/30.
ويؤكد أكاديميون أن ذكرى الدستور مناسبة لإعلان التمسك به، وهو الذي أثبتت الأيام أنه عماد لتماسك الوطن، فيما نوه الأكاديميون بتأكيد سمو الامير الشيخ صباح الاحمد أنه يعمل على حماية الدستور وحفظه، لذلك صح أن يطلق على سموه لقب «حامي الدستور».
يقول أستاذ القانون الدستوري هشام الصالح إنه «في هذه الأيام تمر علينا ذكرى مهمة ألا وهي ذكرى صدور الدستور الكويتي في 1962/11/11 والذي اكتست به الكويت وثيقة ميلاد جديد، فكان بمثابة العقد الوثيق بين الحاكم والمحكوم وصمام الأمان في حماية الحقوق والحريات وتحقيق العدالة والمساواة وتكوين دولة الدستورية والقانون، وحقق للشعب مشاركة أفراده في صنع القرار من خلال مجلس حقيقي يملك صلاحيات حقيقية لا صورية سواء في الرقابة او التشريع».
وأضاف الصالح أن «اصدار دستور الكويت جاء ليؤكد على مبدأين رئيسيين كانا منذ نشأة الكويت عام 1756، وهما ان الحكم في ذرية آل الصباح بصورة رضائية ومع مبايعة الوجهاء والأعيان في السابق، وموافقة ومصادقة مجلس الامة على ترشيح ولي العهد الذي يعتبر هو الطريق الطبيعي بمسند الامارة، فكان الحب والولاء لهم، وعلى مبدأ بأن الامة مصدر السلطات جميعا فكانت ارادة الشعب في اختيار نوابه الذين يتولون الرقابة على الحكومة».
وزاد: «لعل هذه المناسبة تستحق منا الوقوف قليلاً لإعادة تصحيح المسار من خلال ضرورة الحفاظ على التمثيل الحقيقي لارادة الامة ومحاربة الآفات والعوار الذي يصاحب أعراسنا الديموقراطية، مثل شراء الاصوات والمال السياسي وطغيان الانتماء الثانوي للطائفة او القبيلة لدى البعض على حساب الانتماء الحقيقي للوطن، ومن خلال المتاجرة بوحدتنا الوطنية لأجل غايات واهداف انتخابية، وايضا العمل على تعزيز الحريات وبتر بؤر الفساد».
وأردف «لعل في التصريحات والخطوات الاخيرة التي اتخذتها الحكومة في احالة المتورطين بالفساد الى القضاء وإقالة المسؤولين المقصرين بارقة امل في عودة الأمور إلى نصابها، وفي هذه المناسبة تجدر الإشارة الى ان المراقب يجد انه ولطالما يجدد سمو الامير حفظه حمايته للدستور لذلك صح تسميته بحامي الدستور، وما أحوجنا بأن تكون جميع ممارساتنا خاصة البرلمانية متسقة ومتفقة مع الدستور».
بدوره، قال رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الحمود إنه «مر أكثر من 50 عاماً على صدور الدستور والعمل به، وقد أثبتت الأيام أن هذا الدستور هو عماد تماسك الوطن وهو الذي نظم السلطات العامة وخلق هذا العقد الاجتماعي بين الحاكم والشعب الكويتي، وهذا العقد ملزم وبفضله نعيش في بحبوحة من العيش».
وزاد «يتعين علينا أن نتذكر دائما سيرة الأوائل من أمراء الكويت والمشرعين من أعضاء المجلس الدستوري وغيرهم، علينا أن نضع نصب أعيننا ما يحيط بدولة الكويت من أزمات وصراعات ومشاكل قد تؤثر في الداخل الكويتي، وبالتالي علينا التكاتف وأن ننعم بما جاء في هذا الدستور من حريات، ونتمنى المزيد من هذه الحقوق والحريات للشعب الكويت».
واختتم بالقول «الكويتيون يعيشون أحلى أيامهم في ظل قيادة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح القائد المحنك المحب لشعبه والمحبوب منه».
من جانبه، قال أستاذ تاريخ الكويت رئيس قسم التاريخ بجامعة الكويت الأستاذ الدكتور عبدالله محمد الهاجري في معرض حديثه عن ذكرى صدور دستور الكويت في 11 نوفمبر 1962«لاشك أن للدساتير أهمية كبرى في حياة الأوطان والأمم، وذلك لطبيعة المهام التي تنظمها، إذ إنها تحدد مؤسسات الدولة، وصلاحيات كل سلطة من السلطات، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، والواجبات والحقوق».
وأضاف «وبالنسبة لنا نحن الكويتيين وفي هذه الايام التي تحل علينا ذكرى صدور الدستور في 1962 فإن الحديث عنه حتما يجرنا للحديث عن الإرهاصات الديموقراطية المبكرة التي جرت في إمارة الكويت ومنذ نشأتها وتأسيسها على يد العتوب، فقد سجل لنا التاريخ أن أول تجربة ديموقراطية عاشتها الكويت كانت عملية اختيار الحاكم من أسرة (آل صباح)، حيث تذكر أقدم النصوص التاريخية أنه جرى الاتفاق بين قبائل العتوب الثلاث آل صباح وآل خليفة والجلاهمة وعند تشكيل الإدارة اتفقوا أن آل صباح يمارسون السلطة و الجلاهمة الملاحة البحرية، وآل خليفة التجارة».
وقال «وعليه واستكمالا لهذا الارث التاريخي المبكر وبعد مجلس شورى 1921، يمكن القول أنه بدأت تتنامى في الكويت اتجاهات فكرية مختلفة، يدعمها في ذلك ارهاصات أفكار التحرر التي بدأت تشتعل في معظم المناطق العربية، لاسيما نمو التيارات القوميــة التي يمثلها التيار الناصري ومشروعه النهضوي القومي، إضافة إلى أنه بدأت المعارضة تمارس وتخطو خطوات واسعة نحو مزيد من العمل المؤسسي المبني على دعم شعبي، ولعل موقف الشيخ عبد الله السالم من الحراك السياسي عموما في الكويت، وتفهمه لمطالب الحركات الداعية له، جعلت التحولات تأخذ شكلًا أكثر تسارعًا، حيث حمل العام 1961 معه أحد أهم ملامح هذا الحراك السياسي والذي أفرز لنا في النهاية دستور الكويت 1962، والذي جاء كما أشار الراحل الشيخ عبدالله السالم رغبة فى استكمال اسباب الحكم الديموقراطي وايمانا بدور الوطن فى ركب القومية العربية وخدمة السلام، وسعيا نحو مستقبل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية ويفيء على المواطنين مزيدا من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ويرسي دعائم الاعتزاز بكرامة الفرد والحرص على صالح المجموع وشورى الحكم».
وعن كيفية خروج الدستور للنور قال الهاجري «سجل لنا التاريخ أنه في 26 /8 /1961 صدر مرسوم أميري تم بموجبه إنشاء هيئة تنظيم تتولى وضع مشروع قانون يتم بموجبه انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي سيقوم بإعداد دستور الكويت، وفي 20 يناير 1962 عقد المجلس التأسيسي أول اجتماع له بعد أن تم انتخاب عبد اللطيف ثنيان الغانم رئيساً له، كما تم انتخاب الدكتورأحمد الخطيب نائبا للرئيس، وقد بلغ مجموع جلسات هذا المجلس حوالي (32) جلسة، وفي 3 مارس من العام نفسه انتخب المجلس التأسيسي أعضاء لجنة صياغة الدستور والتي يقع على عاتقها مهمة إعداد مشروعه بصورته النهائية».
واختتم بالقول «في هذه الذكرى لايمكن أن ننسى موقف الشيخ سعد العبدالله ودوره في صناعة الدستور وخروجه للنور، حيث جاء تعبير الشيخ سعد العبدالله والذي كان وقتها عضوا باللجنة (صياغة الدستور) معبرا عن وجهة نظر السلطة بالقول (إن الهدف الأساسي من الدستور هو حفظ الوحدة الوطنية بين الشعب والحكام، وليكن الدستور هو دستور الوحدة الوطنية بين الشعب والحكام) هذه الكلمات لا شك تعكس لنا مدى ما وصلت إليه السلطة من قناعة بالمشاركة السياسية والحكم المشترك، وبالفعل وبعد نحو أكثر من عشرة أشهر تم إنجاز الدستور، الذي تم تقديمه للشيخ عبدالله السالم في 8 نوفمبر1962م بقصر السيف وعليه جرت الموافقة في 11نوفمبر1962 م ليخرج للنور أول دستور متوافق عليه في تاريخ الإمارة المستقلة حديثا )».