د. سامي ناصر خليفة / أين مؤسسات المجتمع المدني؟

تصغير
تكبير
في أي بلد، وأمام المحن والفتن والمصائب تظهر مؤسسات المجتمع المدني إلى الساحة السياسية والاجتماعية بكل قوة لتمسك بزمام الأمور، وتقود الحركة المطلبية للمعالجة، وتحديداً من القوة السياسية، والتجمعات الأيديولوجية، والأحزاب الفكرية، والقوى الطلابية، والاتحادات، والنقابات العمالية، وجمعيات النفع العام، وغيرها... والتي تتصدى في العادة بشكل جماعي لمواجهة المحن والمشاكل إلى درجة يشعر المواطن العادي بأن له سنداً ونصيراً يجمع ولا يفرق حيث خطاب المصلحة العامة الذي ينبع من نبض الناس، كل الناس.
فمؤسسات المجتمع المدني والقوى الأهلية هي في الحقيقة الجناح الآخر لطائرة التنمية والتطور في أي بلد ما، وكلما توازنت قوتها مع الدور الحكومي استطاعت الدولة أن تنهض بنفسها قدماً في مواجهة تحديات العصر. وأمام التطور المدني الكبير في بلد دستوري مثل الكويت يصبح من المهم جداً أن تظهر تلك المؤسسات المدنية إلى السطح لتساهم بفاعلية جنباً إلى جنب مع الحكومة في عملية التنمية والتطور من جانب، إصلاح المسار وتعديل الانحراف إن وجد، بل يمكن في مجملها أن تشكل قوى ضغط مجتمعي للدفاع عن المكتسبات العامة.
تلك المقدمة أجد نفسي مجبراً على تأصيلها حقيقة قبل أن أضع يد القارئ الكريم على الخلل الذي نعاني منه في الكويت جرّاء التواضع الكبير الذي يعيشه أداء قوى المجتمع المدني هنا، والتي أحسب أن الحكومة تلعب الدور الأكبر في ما هي عليه اليوم من حال أقل ما يمكن وصفه بأنه يدعو إلى الشفقة! تلك القوى التي تعيش تطوراً يسير سير السلحفاة في عالم تتسابق القوى فيه تسابق الفهود والضباع. فالحكومة هي التي سعت إلى عرقلة تلك التجمعات بعرقلتها لقانون الأحزاب، وهي من وضعت حجرات العثرة أمام مؤسسات المجتمع المدني بتبرير تنظيمها طوال العقود الأربعة الماضية، ومن خلال اعتبار التراخيص من أعمال السيادة بعيداً عن التنظيم الدستوري السليم لها.

التيارات السياسية لا تقل فشلاً في تحمل المسؤولية عن الحكومة، وهي من فشلت في الخروج من الثوب الأيديولوجي لتلبس ثوب المواطنة بشكلها العام طوال العقود الأربعة الماضية، بل أكثر من ذلك حين انشغلت في بعضها البعض إلى درجة نست أن هناك مجتمعاً ينتظر منها دوراً رسالياً يمكن من خلاله بناء وطن. لذا من الطبيعي في ظل هذا الوضع المزري أن يتصدى من هو في غير محله للشأن العام، وأن يبرز شرار القوم ليتحدثوا عن القيم والفضيلة، بل أكثر من ذلك حين تعيش الأمة جهلاً في مسارها، وانحرافاً في رؤاها، وضياعاً في دربها.
قليل من التفكّر والتدبّر في الحال المزرية الذي وصل إليه حال القوى السياسية، والاتحادات الطلابية، والنقابات العمالية، وجمعيات النفع العام، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني في الكويت، يمكن حينها معرفة شكل المستقبل الذي ينتظر مجتمعنا. ولا عزاء لنا ولأجيالنا القادمة في ذلك.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_2009@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي