د. سامي ناصر خليفة / تواطؤ عربي غير مسبوق

تصغير
تكبير
استمرار الحصار براً وبحراً وجواً ومنذ أشهر على شعب غزة البطل من قبل العالم أجمع لا يمكن أن يتم إلا من خلال تواطؤ الدول العربية، حقيقة لا يمكن إخفاؤها بعد اليوم، ولا يمكن إلا وضعها على طاولة المسؤولية الإنسانية والإسلامية والأخلاقية ثم العربية. حقيقة فجّرت معها حقائق كبيرة وكثيرة حين نكتشف كم هي حجم الغفلة التي نعيشها اليوم نحن الشعوب. كنا نعتقد أن الأنظمة العربية من الضعف الذي سوف لن يجعلهم قادرين على الحركة باتجاه نصرة الشعب الفلسطيني، الذي تعب وبُح صوته وهو يستغيث ويستصرخ الضمير العربي طالباً المساعدة. كنا نعتقد أن المحن والفتن والنزاعات وهيمنة الأجنبي جعلت الأنظمة العربية تعيش ضمن منطق اللا حول لهم ولا قوة.
كنا نعتقد أن هناك دوراً سلبياً للأنظمة في عدم التجاوب لصرخات أطفال غزة وآهات شيوخها منبعه العجز، وأساسه عدم التكافؤ في القدرة على المواجهة مع الصهاينة، لنكتشف اليوم أن الأمر لا يقتصر على الركون والابتعاد والتخاذل عن النصرة فقط، بل وصل إلى حد التواطؤ. نعم التواطؤ بكل ما تعني الكلمة من معنى. فهناك منهم من يشارك بفاعلية في الحصار براً وجواً وبحراً، لا فرق بينه وبين العدو الصهيوني، وبتبريرات واهية أقلها التزامه المطلق كما الصهاينة بغلق الحدود، ومنع التجاوزات عليها، وهدم الأنفاق التي يبنيها الفلسطينيون لنقل الحاجات الأساسية إلى غزة. وهناك منهم من منع حجيج غزة من الوصول إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، وهناك منهم من يصطنع المشاكل كي يشير إلى أن المشكلة ليست في تخاذل العرب، بل بين الفلسطينيين أنفسهم!
إنه العار وما بعده عار، حين تكون بعض الأنظمة العربية مشاركة في الحصار ميلاً، والبعض الآخر مساهم في التعتيم الإعلامي والسياسي على معاناة أهلنا هناك لا لشيء سوى لإنهاء حكومة «حماس» وتضعيفها ودفعها إلى الرضوخ لمعادلة الاستسلام الجديدة التي رضخوا هم قبل غيرهم إليها. معادلة تقوم على الاعتراف بالكيان الغاصب المحتل لدولة فلسطين، وقبول دولة إسرائيل، وتؤسس لدولة فلسطينية تمثل أقل من 10 في المئة من الأراضي الفلسطينية مسحوبة السيادة ومسلوبة القرار الخارجي. هذا هو الواقع الذي قبلت الأنظمة العربية أن تساهم فيه بفاعلية.

فالحصار يعمّق جراحات الفلسطينيين ويزيد من تفكيرهم بالمسارات والخيارات المتاحة، والحصار هدفه ضرب إسفين الفرقة بين الشعب الفلسطيني والقوى المجاهدة من دعاة خيار المقاومة في وجه العدو حتى تحرير كامل التراب المحتل، والهدف ببساطة هو إنهاء هذا الخيار لتسقط مقاومة الصمود في كيان وشخصية وروح الشعب الفلسطيني، تمهيداً لإدخاله في مشروع الاستسلام، التي هي البداية لإنهاء المشكلة بالذوق الصهيوني. حينها لا عزاء على الشعارات التي رفعت، والمبادئ التي اعتلت، والروحية الجهادية التي حكمت ذهنية القيادة منذ تسلم «منظمة التحرير الفلسطينية» الراية وحتى تسليمها إلى السلطة.
إنها مؤامرة تتواطأ بعض الأنظمة العربية في تنفيذ بعض جوانب أجندتها الشريرة، وما نراه اليوم ما هو إلا جزء من فيض، وسجل يا تاريخ.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_2009@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي