ما يراه النائم ثلاثة أقسام... رؤيا من الله أو حلمٌ من الشيطان أو حديث نفس

الرؤى والأحلام... عوالم من الغموض والمعرفة

تصغير
تكبير

يجب أن يكون معبّر الرؤيا متعلقا بالقرآن متبحراً في معانيه

ينبغي معرفة أحوال الرائي وفهم تفاصيل ظروفه النفسية والاجتماعية


الرؤى والأحلام عوالم فيها مزيج من الغموض والعجب والمعرفة، وهي بوابة لاستكشاف كثير من الأمور المتصلة بفكر الإنسان ونفسيته وحياته أيضا بكل ما فيها من أحداث، فما إن يُغمض الإنسان عينيه، ويغيب في النوم فإنه يغادر إلى عالم آخر، ونعرف أن النوم هو الموت الأصغر، فالروح تغادر الجسد، وتتجول في عوالم صاخبة بالأحداث والشخوص، وحين يصحو الإنسان من النوم، قد يتذكر ما رآه في المنام من مشاهد كثيرة، وقد ينساها بالكامل، وقد يتذكر بعضاً منها فقط. ويكون ما رآه من مشاهد في نومه بين حديث نفس وأضغاث أحلام أو رؤى، والرؤى عالم مستقل بذاته، وله شأن عظيم.
وقد يدخل الإنسان في نومه في مشاهد من الماضي والحاضر، وقد تكون مشاهدات من المستقبل بأمر من الله عزّ وجل، وتدبير منه، والتي تدخل في باب الرؤى، وقد يرتاح لمشاهدتها، ويتمنى وقوعها على أرض الواقع، وقد يرى البعض أحلاماً مفزعة ومروّعة، يشعر بالضيق والانقباض النفسي، وتشغل ذهنه كثيراً، ويتوجس من تفسيرها، ويقع تحت دائرة الخوف من حدوثها له. لنقف أولا عند مفهوم الحلم، ومفهوم الرؤيا وبينهما فرق كبير، ونستدل هنا بحديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال في حديث صحيح «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان». وقال أيضا «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا تحزين من الشيطان، والرؤيا مما يحدّث بها الرجل نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم وليتفل ولا يحدث بها الناس».
 وسُئل الشيخ ابن عثيمين عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» فأجاب «رؤيا المؤمن تقع صادقة، لأنها أمثال يضربها الملك للرائي، وقد تكون خبرا عن شيء واقع، أو شيء سيقع فيقع مطابقا للرؤيا، فتكون هذه الرؤيا كوحي النبوة في صدق مدلولها، وإن كانت تختلف عنها، ولهذا كانت جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة». وفي تفسير قول الله عزّ وجل وقوله الحق «لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة» قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله سلم «هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو تُرى له وفي الآخرة بالجنة».
وهنا نقول إنّ ما يراه النائم في نومه ثلاثة أنواع: رؤيا وهي من الله تبارك وتعالى، وحلُم وهو من الشيطان، وحديث النفس. لنقف أولا عند الرؤيا: وهي أن يرى النائم أمراً محبوباً مفرحاً يسر قلبه، وهي من الله تبارك وتعالى، وقد يُراد بها تبشير الإنسان بخير مقبل، أو تحذير له من شر قد يقع، أو قد تكون إنارة إرشادية لمسألة في حياته، ومن الطبيعي أن يحمد الإنسان الله عزّ وجل عليها لأنها نعمة منه وفضل، ويمكن له أن يحدث بها الأحبة فقط دون غيرهم ممن يتقين من حبهم الحقيقي له.
أما الحلُم فهو ما يراه النائم من مكروه مما يدفعه للشعور بالضيق والانقباض، وربما يصحو وقد تسارعت ضرباته، ويتعرق، وقد تظهر عليه أعراض جسدية أخرى، وهذا الحلم يكون من الشيطان، وعلى الانسان هنا أن يتعوذ بالله منه ويبصق عن يساره ثلاثا، والأفضل أن يتناساه ولايحدث به أحدًا، ويُستحب أن يتحوّل عن جنبه، وأن يصلي ركعتين. قال الشيخ ابن عثيمين يرحمه الله في بيان هذا النوع: «إفزاع من الشيطان، فإنّ الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه من شيء في نفسه، أو ماله، أو في أهله، أو في مجتمعه، لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين كما قال الله تعالى:(إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله )، فكل شيء ينكِّد على الإنسان في حياته ويعكِّر صفوه عليه: فإن الشيطان حريص عليه، سواء ذلك في اليقظة أو في المنام لأن الشيطان عدو كما قال الله تبارك وتعالى» إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً».
أما النوع الثالث والأخير فهو أن يكون حديث نفس، ويُسمى «أضغاث أحلام» وهو عبارة عن مشاهد وأحداث ووساوس ومخاوف وأفكار في الذاكرة والعقل الباطن، يعيد تركيبها أثناء النوم. قال هشام بن حسان كان ابن سيرين يسأل عن مئة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة، فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، ولعله من الجدير بالذكر هنا أن نوضح أنّ الكتاب المنسوب لابن سيرين والمتدوال في الأسواق لا نتبين صحة نسبه إليه بشكل قطعي، لأن بعض المكتبات قد أضافت إليه ونقحته من باب الربح التجاري، ولكن ابن سيرين عُرف عنه بالورع والزهد وتعبير الأحلام، وقد ذكر ذلك الإمام الحافظ الذهبي فأشار إلى موهبة ابن سيرين وبراعته في تعبير وتأويل الأحلام.
 وهناك زاوية مهمة في الرؤى تشغل الكثير من الناس وهي رؤية الموتى والتحدث معهم في النوم، ولنا أن نذكر هنا كتاب العلامة ابن قيم الجوزية «الروح» الذي فيها أحاديث شيقة تأخذك إلى عالم آخر، وبذكر الأموات نقول قد يُصاب البعض بالهلع لرؤيته لبعض الأموات من الأقرباء أو الأصدقاء أو غيرهم، وفي المقابل قد يتطلع البعض الآخر لرؤية الأموات المقربين إلى قلوبهم والذين يفتقدونهم في حياتهم بعد مغادرتهم الدنيا، وفي هذا قول مفيد في مسار الرؤى بزيارة الميت والتحدث إليه، حيث ان الميت يأتي من دار الحق، فلا يقول إلا الحق، إلا إذا كان يأمر بمعصية، ويدعو لمنكر، فهذا أمر من الشيطان، ولا يجب الالتفات لقوله. والسؤال الذي يترقبه الكثيرون: هل يمكن أن يرى النائم أحلاماً تحذيرية ؟ أو رؤى لنبؤات قد تحدث له في المستقبل؟ والجواب: نعم بلا شك وهي مسألة مثبتة شرعيا وعلميا، ولكن لا ينبغي أن نعيش حياتنا متوجسين من أحلامنا، مترقبينها، علينا فقط أن نثق بالله عز وجل، فما يأتينا منه إلا الخير، وماقد يظنه البعض شراً هو خير، وقد جاءهم لحكمة من الله جلّ وعلا.
والملاحظ في الآونة الأخيرة كثرة المفسرين في أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وشركات الاتصال والهواتف الجوالة، والغالبية من هؤلاء المفسرين يتقاضون أجرًا مقابل تفسيرهم للأحلام، وهنا تدخل مسألة توهيم الناس وزرع الشكوك في نفوسهم، وربما تصل في بعض المراحل إلى ترويع الناس بتفسيرهم للكوابيس التي ليست رؤى وإنما من الشيطان وجب الاستعاذة منها ونسيانها، وعد تفسيرها، ووصل ببعض المفسرين لتفسيرات غيرمنطقية تسعى فقط لإرضاء بعض المتصلين الذين يبنون حياتهم على أحلام النوم. وينبغي هنا توخي الحذر فليس من العلم ولا العقل أن يتم تفسير أحلام الناس بمجرد سردها باختصار، ولكن ينبغي معرفة أحوال الرائي، وفهم تفاصيل ظروفه النفسية والاجتماعية لأنها قد تكون حديث نفس ليس أكثر أو من تخييل الشياطين.
ونتائج الاستبيان المرفقة مع الخبر، أجرتها الدكتورة هيفاء السنعوسي من خلال حسابها على «أنستغرام» وكشفت أن غالبية الناس تميل إلى معرفة تفسير ما يحلمون به، ولا سيما أن الثلين من شريحة الاستبيان غلب على أحلامهم حديث النفس والكوابيس، فيما يجهل نصفهم الجانب الشرعي والنفسي للأحلام، و80 في المئة منهم يرون الأموات في مناماتهم.
 ونكون بهذا مدركين علاقتنا بأحلامنا، فإذا رأى الإنسان رؤيا صالحة يحتفظ بها لنفسه، أو يقصُّها لمن يتيقن من حبه له من باب الاستبشار بوقوع الحدث السعيد المقدر من الله عز وجل بحوله وقوته، ويُفضّل أن يكون من تروي له الرؤيا متعلقا بالقرآن متبحرا في معانيه. اللهم إنا نسألك - تباركت وتعاليت - أن تمنَّ علينا بالرؤى الصالحة من فضلك وكرمك علينا، وأن تصرف عنا كيد شياطين الإنس والجن، إنك خير حافظا، وأنت أرحم الراحمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي