قضية / الشباب الواعد يفتقد مساندة الجهات الرسمية لإبداعاته المطبوعة
حركة النشر وإصدار الكتب في الكويت... عبء قد لا يتحمله المؤلف
من البدهي التأكيد على أن حركة النشر وإصدار الكتب -خصوصاً الأدبية منها- تشهد في الكويت رواجاً واضحاً وتميزاً مشهوداً، بفضل دخول الكثير من دور النشر التي تديرها نخبة من الأدباء والكتاب، تحرص من خلالها على انتقاء الأعمال الأدبية الجيدة من أجل طرحها في المكتبات.
وهذه الميزة -التي تنعم بها الساحة الثقافية الكويتية- ربما تشهد في اتجاهاتها الأخرى، بعض العراقيل والحواجز، تلك التي قد تدفع الكثير من الذين يرغبون في طباعة كتبهم إلى خارج الكويت، ومن أكثرها وضوحا المسألة المادية، وعدم قدرة بعض المؤلفين -خصوصا الشباب- على دفع ما تطلبه هذه الدور مقابل نشر كتابه، نظرا لقلة المردود المادي للكتب، واعتبار مسألة النشر حالة خاصة لا تجذب شريحة كبيرة من المجتمع، وهي تخص -في المقام الأول- نخبة من المثقفين، أو الذين يميلون إلى التعاطي مع الكتاب بصفته الفكرية والأدبية والفنية والاجتماعية والسياسية وغيرها.
وهذه الحالة لا تخص الكويت وحدها، ولكنها تمثل هاجسا عربيا مشتركا، حيث إن سوق الكتب -للأسف- غير رائجة في المجتمعات العربية، ونشير هنا إلى الكتب ذات القيمة الثقافية والفكرية، وليست الكتب التي تحظى -في معظم حالاتها- بالرواج مثل كتب السحر والطبخ، وتلك التي تنعم بدعاية لا تليق -على وجه الإطلاق- بمضمونها وما هو موضوع في متونها من مادة كتابية لا تتوفر فيها أدنى شروط الجودة، غير أن أصحابها نجحوا في الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمكنوا -في حين غفلة من المنطق والمعقول- في أن يجعلوا كتبهم هي الرائجة والمطلوبة لدى شريحة كبيرة من الناس.
نحن إذاً أمام واقع يفرض نفسه بقوة على ساحة نشر الكتب، وهو واقع يتعرض أيضا لضربات متتالية، مصدرها الإنترنت وأفقه الواسع، الذي لا تحده حدود، وهو أفق لا يمكن لكاتب أو مؤلف يريد أن يتفرغ لكتاباته وتجديد أفكاره، وطرح رؤاه المستنيرة، في أن يقف عند كل أسراره، ويتفرغ ليل نهار لمجاراته، وتجميع أكبر قدر من المتابعين على صفحاته، من خلال المشاركات التي يأتي معظمها في صيغ المجاملات وجبر الخواطر وتحسين صور لا يرى فيها أي حسنة.
وحركة النشر في الكويت تتعرض لمثل هذا الأمر... إلا أنه مخفف بعض الشيء، وذلك -كما أوردنا سابقا- لأن هناك دور نشر حديثة فرضت وجودها على الساحة يملكها كتاب وأدباء، يعرفون بقدر كبير قيمة الإبداع ومعناه المهم في الوجدان العام، ورغم ذلك أرى أن بعض هؤلاء الناشرين قد تبدلت رؤاهم نتيجة لما يشاهدونه من اللامعقول وغير المنطقي في مسألة النشر، وذلك حينما يتفاجؤون بأن كتابا ما يفتقد القيمة والمواصفات الأدبية يطرح نفسه بقوة على الساحة، وتراه من أكثر الكتب مبيعا، وتنظم له حفلات التوقيع في معارض الكتب، ويتحدث عنه القاصي والداني، بينما مستواه منخفض في جودته وقيمته.
وفي المقابل يجد هؤلاء الناشرون كتبهم التي تتمتع بكل المواصفات الأدبية والفكرية المطلوب طرحها على المتلقي، إلا أنها تعاني -بل قد تتعثر- في مسألة التوزيع والرواج، وتظل نسخها المتبقية -وهي كثيرة- في المخازن لفترات طويلة.
وهذا ما دفع البعض إلى البحث عن مسألة التسويق مع التخلي عن فكرة الجودة، لأنه -ايضا- يريد أن يكسب ، فيوافق على أن يدفع له الكاتب مبلغا متفقا عليه من المال في مقابل طباعة ونشر كتابه، أو يتفق معه على اقتسام العائد المادي من المبيعات، ومن ثم تبدأ سلسلة الدعاية الوهمية على الإنترنت، والتبشير بأن هذا الكتاب- مفتقد الجودة- يحمل في متنه الجديد والمثير، لتتواصل حلقات الفقد تلك التي يتعرض لها الإبداع والفكر والثقافة في أشكالها الحقيقية، وهو فقد منظم، قد ينتج عنه في القريب أو البعيد فقدان تام لمفهوم الكتابة الحقيقية، ليحتل التسطيح مكانته الأكثر وضوحا، وهو أمر لا نرجو حدوثه.
مما يجعل أصحاب الكتابات الجادة غير قادرين على مجاراة هذا الوضع ومن ثم تكبد الخسائر المادية الكبيرة عند النشر في الكويت، ومن ثم بحثهم عن النشر في بلدان عربية أخرى أقل سعرا، في ما تبقى مسألة الترويج للكتب حالة مرتبكة بين دار نشر وأخرى، فلا يمكن التأكيد على محتواها بشكل واضح، فهناك دور نشر تهتم بالترويج لإصداراتها بغض النشر عن قيمة الأسماء، والذي يعنيها فقط محتوى الكتب، ودور نشر لا تهتم إلا بالأسماء اللامعة، التي تمكنت من تحقيق نجوميتها، على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهناك -للأسف- دور لا تقوم به المؤسسات الرسمية -خصوصا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- في التخفيف عن معاناة الشباب المبدع عند تفكيرهم أو محاولاتهم لنشر كتاباتهم، وذلك بتخصيص سلسلة تعتني بنشرها في مطبوعات متميزة، ومن ثم طرحها في المكتبات الخاصة، مثلما تفعل مؤسسات رسمية عربية أخرى، ولكن الذي يحدث دائما أن الشاب الطامح إلى نشر كتابه، يبحث عن دور نشر ربما تساومه ماديا، أو ترفض نشر كتابه بحجة أنه جديد على الساحة.
كما أن هذه المؤسسات الرسمية لا تلجأ لحل هذه الأزمة إلى دعم دور النشر الخاصة، التي تلتزم بالموصفات الأدبية والفكرية في نشر كتبها، وهذا الدعم يعد مطلبا مهما هذه الأيام، وذلك تشجيعا على مواصلة هذه الدور الجادة في تقديم رسالتها الاجتماعية والثقافية، وعدم تعرضها للإحباط، على الأقل من خلال شراء الكتب، أو تخصيص مبالغ مادية لدعم الإبداع الشبابي تدفع لهذه الدور، ومن ثم متابعتها كي لا تحيد عن الغرض المنشود.