هذا ما يخبئه العراق لأميركا: صعود مقاوَمة جديدة
ضربتْ مدينةَ البصرة الغنية بالنفط موجةٌ جديدةٌ من الاضطرابات حصدتْ أكثر من 6 قتلى و62 جريحاً بين المدنيين المتظاهرين برصاص قوات الأمن المحلية. ويطالب هؤلاء بالماء العذب والكهرباء وفرص العمل والبنية التحتية ووضْع حد للفساد المستشري بين المسؤولين.
وساهم المتظاهرون بإحراج الحكومة الحالية برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي (تصريف الاعمال) الذي أصبح يُعرف برَجُل أميركا في العراق.
ومع ذلك فإن هذه التظاهرات ليست بعيدة عن الصراع الأميركي - الإيراني ولعبة ليّ الأذرع حول هوية حكام العراق الجدد.
وقد وجّهتْ مجموعة من الأحزاب العراقية تهديداً واضحاً للسياسيين وضد «أميركا وبريطانيا اذ استمرّ هؤلاء بالتدخّل بالسياسة العراقية» وانتخابات الحكومة الجديدة وقادتها.
إنها بداية صعود مقاوَمة ضدّ أميركا التي يبدو أن إدارتَها تجهل ذلك. ويصل المراقبون العراقيون الى حدّ ربط ثورة 2018 في البصرة ضد أميركا وحلفائها في الحكومة بثورة العشرين ضدّ بريطانيا (1920) التي بدأتْ في بغداد.
عندما أعلنت أميركا احتلالها للعراق العام 2003 وإسقاط صدام حسين اعتقدتْ ان وجودها مُرحَّب به. فخرقت هذه النظرة مقاومة أبو مصعب الزرقاوي الذي هاجم أميركا ولكنّه هاجم أيضاً الشيعة في العراق لتبدأ بعدها حرب طائفية، كما أرادها هو.
لكن تنظيمات شيعية بدأت تظهر وتعمل ضد أميركا. وأَهمّ وأَجرأ عملية قام بها هؤلاء (عصائب أهل الحق) هي عملية كربلاء التي قُتل فيها جندي أميركي داخل مقر هؤلاء في المحافظة ومن ثم قُتل 4 جنود وضباط خُطفوا في العملية نفسها.
وتوقفت هذه التنظيمات عن العمل العام 2011 عند انسحاب اميركا من العراق وتحوّلت الى القتال داخل «الحشد الشعبي» العام 2014 عند احتلال «داعش» الموصل وثلث العراق.
أما اليوم، فقد انضم بعض هؤلاء الى الجيش والشرطة الفيديرالية ولكن حافَظَ عدد منهم على استقلاليته ولم ينضم تحت لواء القوى الأمنية.
وبالفعل أصدر كل من عصائب أهل الحق، منظمة بدر، كتائب حزب الله العراق، حركة الجهاد والبناء، كتائب سيد الشهداء، حركة النجباء ومجموعات أخرى، بياناً يحذّر اميركا وبريطانيا من التدخل في الشؤون المحلية، معلنة «تنكشف خيوط مؤامرة جديدة وقذرة هي الأخطر تتورط فيها أميركا وبريطانيا ومعهما بعض الساسة العراقيين من الذين تم ترهيبهم او إغواؤهم. هذا التدخل السافر لهذا التحالف (...) في العملية السياسية. نحن بإمكاننا التدخل في اللحظة المناسبة ونحن أقوى من أي وقت وعلى أهبة الاستعداد لتجريد المتآمرين من أدواتهم. وندعو حزب الدعوة الى وضع حد للتصرفات غير المسؤولة لبعض قادته وندعو السيد مقتدى الصدر الى قول كلمته تجاه هذه المؤامرة الخبيثة ونحن واثقون ان آل الصدر سيتخذون موقفاً ينسجم مع آل الصدر ولن نقبل بالوجود غير المشروع للقوات الأجنبية في العراق. وسنتعامل معها كقوات احتلال».
وتحتوي البصرة على 70 في المئة من احتياطي النفط العراقي. وقد زارها العبادي في يوليو الماضي وقدم العديد من الوعود لإطلاق ما يكفي من الأموال لتلبية المطالب المحلية من دون أي نتائج.
وتوقّفت ايران عن تزويد البصرة بالكهرباء بعدما طالبت بمبلغ 1.5 مليار دولار، فواتير غير مدفوعة. ومع ذلك استعادت إمدادات الكهرباء الى البصرة وغيرها من المحافظات الجنوبية بعد طلب مباشر من السيد علي خامنئي.
يجب عدم تجاهل النفوذ الإيراني في العراق، بما فيها البصرة. وقد صوّت أكثر من 150 نائباً ضد العبادي المدعوم أميركياً والذي لم يحظ بدعم أي محافظة. وهو خسر من أصل 42 نائباً النصف لمصلحة فالح الفياض وانسحب 7 نواب لـ«الفضيلة» ليبقى له 14 نائباً، أي أقلّ من حزب السيد عمار الحكيم الذي له 19 نائباً في البرلمان.
تخطئ أميركا باعتقادها أنها تستطيع فرْض مرشحها من دون ردّ فعل. فالمؤشرات الأولى للمقاوَمة بدأت تدلّ على استعدادها لضرب القوات الأميركية وحلفائها العراقيين. ويبقى السؤال: هل أميركا مستعدّة لانتفاضة أخرى في بلاد ما بين النهرين؟