الرأي اليوم / يا رئيس المجلس

تصغير
تكبير
أصعب أنواع الكتابة أن تكتب لمن لا يستطيع أن يرد عليك. لمن لا يسمعك ولا يجيب عن تساؤلاتك. لمن يتركك في حيرة وغموض مع أنه خلال تسلمه سدة المسؤولية عمل في الضوء لتبديد أي حيرة أو غموض.
أصعب أنواع الكتابة أن تكتب لراحل كبير وأنت تحتاج إلى حضوره الآن أكثر من أي وقت مضى. لمن تتمنى أن تدخل ديوانه حاملا أسئلة أبناء البلد عن أزمة البلد وتخرج من ديوانه محمّلا بإجابات ومزودا بطاقة تفكير وتحليل كبرى ترشدك إلى مسارات الحلول.
أصعب أنواع الكتابة أن تكتب لرئيس المجلس التأسيسي عبد اللطيف محمد ثنيان الغانم، الرجل الرجل الذي بنى مع إخوان له جسر العبور إلى الدولة الدستورية وترأس جلسات إعداد الدستور وإقراره وحمل نسخة منه في الصورة التاريخية الشهيرة ليقدمها إلى الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم قائلا له: «صاحب السمو أميرنا المعظم، إنه لشرف كبير لزملائي أعضاء لجنة الدستور، ولشخصي، أن نتقدم إلى سموكم في هذا اليوم التاريخي، نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على أساس المبادئ الديموقراطية المستوحاة من واقع الكويت، وكل رجائنا أن يأتي هذا الدستور محققا لآمالكم الكبيرة لخير شعبكم الوفي الأمين».

كنا نتمنى لو عاصرنا تلك الفترة كبارا لنشارك في عرس اقتران الكويت بالديموقراطية و«تدللها» على جيرانها بعريسها الذي سبقتهم إليه، وكم نتمنى لو انك تعاصر فترتنا الحالية لتساعدنا على الخروج من الوضع الذي نعيشه، ومع ذلك نسألك: هل كنت تتوقع هذا الانحراف المخيف للمسار السياسي الكويتي الذي يتناقض وعبارتكم الشهيرة بأن يأتي الدستور محققا للآمال الكبيرة لخير الشعب الكويتي؟.
أمس، أٌقرت تعديلات دستورية في دولة خليجية مجاورة لتنظيم علاقة اعضاء السلطة التنفيذية فيها بالشأن العام لجهة منعهم من الجمع بين منصب عام وأعمال تجارية. أمس حصل ذلك أي في العام 2008 وهي البنود التي كانت موجودة في نسخة الدستور التي سلمتها الى المغفور له الأمير الشيخ عبد الله السالم عام 1962... هل لاحظت الفارق الزمني؟
لماذا حصل ما حصل؟ هل هو النظام السياسي العاجز عن التعامل مع مفاتيح التطور؟ هل هي التحديات الخارجية التي زعزعت جزءا مهما من تماسكنا الداخلي؟ هل هي الثروة وانتشار ثقافة الاستهلاك لا ثقافة الانتاج؟ هل هو الركون إلى «الدولة الراعية» التي تؤمن كل شيء من الأرض والقرض إلى الوظيفة والتعويضات؟ هل هو ضعف رجال الدولة في مجلسي الوزراء والامة؟ هل هو سيادة المصالح الخاصة من شخصية وتجارية وانتخابية وطائفية ومناطقية وقبلية على حساب مصالح الامة؟ وهل هي شهوة السلطة لدى بعض ابناء النظام؟
نسألك يا أبا بدر ونعرف أنك لن تجيب. نسألك وأنت الذي ما تنازلت لحظة عن مكتسبات الحركة الشعبية الوطنية الكويتية من اجل توسيع المشاركة في الحكم والسلطة. نسألك وأنت من دفع ثمن مواقفه الشريفة اربع سنوات من مسيرة العمر في سجن صغير فضلته حرا على العيش مقيدّا في سجن كبير. نسألك وأنت من ترأس لجنة الدستور التي ضمت أطياف الكويت من شخصيات وشيوخ، وأيضا لم تتخل لحظة عن سيادة دولة القانون والمؤسسات. نسألك وانت الذي ما تنازل ايضا عن «التعاون الإيجابي» مع السلطة من أجل مصلحة الكويت ومستقبل الكويتيين، وكم كانت العبر عظيمة أن من دخل السجن من اجل مواقفه يترأس المجلس التأسيسي ولجنة الدستور ويترك كل ما هو خاص وشخصي، وكل ألم وحرقة وحسرة، من اجل المصلحة العامة ويمد يد التعاون الى الجميع من اجل هدف أعظم... الدستور وتوسيع المشاركة الشعبية في الحكم.
ولم نكن لنسألك لو أننا نعرف الإجابة... نحن أيضا يا رئيس المجلس التأسيسي سجناء ازمة. لم ندخل زنازين القلق لاننا سرنا في تظاهرات تطالب برحيل الاجنبي أو توسيع المشاركة الشعبية أو إقرار دستور. لم يأسرنا الخوف لأننا اطلقنا صرخة احتجاج على إفلاس الدولة وانهيار الاقتصاد وانتشار الجوع. لم توضع القيود في أيادينا لأننا أعلنا الإضرابات والاعتصامات استنكارا لامتلاء السجون بمعتقلين سياسيين وسجناء رأي... كل ذلك لم يحصل لأن مبرر الاحتجاج غير موجود، فنحن والحمد لله وبفضل جهودكم السابقة وبطبيعة اهل الكويت ووعيهم نعيش نعما لا نعرف قيمتها أحيانا، ومع ذلك نبقى سجناء أزمة صنعناها نحن بأنفسنا ونعيد تمثيلها كل يوم.
يا أبا بدر، هل كنت وإخوانك تتوقعون ان يسير الابناء والاحفاد في طريق آخر؟ وهل رسمتم حلولا لاحتمالات هذا الامر؟ أم أن القامات التاريخية تركن الى وهج اللحظات التاريخية وترفض أن تصدق أن انحرافات كبيرة يمكن أن تحدث!
كان عشق البحر يجمعك مع إخوانك أعضاء المجلس التأسيسي. تخوضون عبابه من ضفة التجارة إلى ضفة العلاقات الدولية. تعرفون التعامل مع الموج العالي واتجاهات الريح وتردون على العواصف والأنواء برؤية واحدة للمسار والمصير مهما باعدت بينكم الآراء والمواقف... هذه صعبة علينا.
الخال العزيز عبد اللطيف، أرهقتك بكثرة الأسئلة من بلد مرهق ومع ذلك فلديّ طلب أخير. أسألك وإخوانك... السماح.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي