عمار تقي / غزة... أي خزي أكثر من هذا يا عرب؟

تصغير
تكبير
لا نبالغ إذا ما قلنا أن الظلم الذي يتعرض له قطاع غزة اليوم هو الأبشع في تاريخ العصر الحديث! ولا نبالغ إذا ما قلنا أن «الهولوكوست الإسرائيلي» الذي يمارس اليوم ضد أبناء القطاع لم تشهد البشرية الحديثة له من نظير! مليون ونصف المليون إنسان تحت الحصار التام من دون ماء، ولا كهرباء، ولا معدات طبية، ولا مواد غذائية، حتى وصل الأمر بأهالي غزة إلى طحن القمح المخصص لأعلاف الحيوانات والطيور لتلبية احتياجاتهم اليومية! فما يحدث اليوم في غزة تجاوز كل الحدود، وكل القيم والأعراف الإنسانية والأخلاقية، ومع ذلك نجد العالم بأسره يقف موقف المتفرج على «الهولوكوست الإسرائيلي» الذي يجري بحق سكان هذا القطاع دون أن يحرك ساكناً!
التقرير الذي أصدرته اخيراً «اللجنة الشعبية الفلسطينية لمواجهة الحصار» حول آثار الحصار المفروض على قطاع غزة، والذي قامت بنشرة صحيفة «الكفاح العربي» اللبنانية، تقرير خطير ومؤلم، ويعكس حجم المأساة والكارثة الإنسانية التي تجري في القطاع تحت مرأى ومسمع العالم! فقد جاء في التقرير أن الأدوية الأساسية ناقصة خصوصاً لمرضى ارتفاع ضغط الدم والقلب والربو والسكري والأمراض المزمنة الأخرى، إلى جانب نقص الأدوية المكملة لمرضى السرطان والفشل الكلوي والكبدي. وأن هناك نقصاً فادحاً في قطع الغيار، وأجهزة قياس نسبة الغازات في الدم اللازمة للعناية المركزة، كما أن هناك نقصاً حاداً في التطعيمات اللازمة للأطفال ما نجم عنه نقص المناعة وانتشار الأمراض، بحسب ما تضمنه التقرير. وسجل التقرير نقصاً خطيراً في كمية الأعلاف نتيجة لإغلاق المعابر ما نتج عنه إعدام نحو 700 مليون من أفراخ الدجاج والطيور، ناهيك عن الخسائر الفادحة التي أصابت الثروة الحيوانية نتيجة نقص اللقاحات والأمصال، وانتشار بعض الأمراض والأوبئة. أما بالنسبة إلى القمح، فقد أشار التقرير إلى أن «شركة المطاحن» قد أغلقت أبوابها لعدم وجود القمح في مخازنها! وجاء في التقرير أن أهالي غزة المحاصرين في انتظار كارثة أخرى تتمثل في تلوث مياه الشرب نتيجة نقص مادة الكلور، كما أن عدم ضخ مادة الكلور في آبار المياه ينذر بزيادة التلوث البكتيري في مياه الشرب. وأضاف التقرير أن هناك 77 مليون لتر من مياه الصرف الصحي تضخ يومياً في البحر من دون معالجة ما يسبب كوارث بيئية وتلوثاً بحرياً خطيراً. هذه ليست سوى مقتطفات سريعة حول مما تضمنه تقرير «اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار»، والأنباء الواردة من غزة تؤكد أن الواقع أسوء وأقسى بكثير من هذا التقرير!
من جانب آخر، لا نبالغ إذا ما قلنا أن الحصار المفروض اليوم على قطاع غزة ليس إسرائيلياً فقط وليس أميركياً فقط، بل هو بمشاركة ومباركة عربية بامتياز! ففي السابق كان العرب يقفون موقف المتفرج تجاه المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل وتحديداً تجاه قطاع غزة، ويكتفون بإصدار بيانات الشجب والاستنكار، أما اليوم فقد وصل الحال بأن يساهم العرب بتشديد الحصار الخانق على القطاع عبر إحكام إقفال المعابر! ففي الوقت الذي تصل فيه السفن الشراعية من أوروبا حاملة المواد الغذائية والأدوية اللازمة لسكان القطاع، نجد العرب يحكمون قبضتهم على إغلاق المعابر خوفاً من الغضب الإسرائيلي! قبل أيام انتفض العرب وثار الدم العربي في عروقهم، وعقدوا اجتماعاً طارئا على مستوى وزراء الخارجية! استبشرنا خيراً، وقلنا أن العرب قد صحوا أخيراً من سباتهم العميق وتذكروا المآسي الإنسانية في قطاع غزة، لكن عن ماذا يا ترى تمخضت تلك الانتفاضة العربية الرسمية؟

اجتماع وزراء الخارجية العرب تمخض عن تكليف الأمين العام للجامعة العربية التنسيق مع السلطات المصرية المختصة لتأمين دخول المواد الغذائية والأدوية اللازمة والمعدات الطبية إلى القطاع المحاصر! وإلى هنا يبدو هذا التكليف مقبولاً، وإن كان على قاعدة «ذر الرماد»، كونه يرد على جميع اتهامات المشككين، والحاقدين، والناقمين على مواقف الأنظمة العربية الرسمية نتيجة تخليها عن الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة! لكن وعلى الرغم من أن هذا التكليف جرى بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الحصار الجائر، لكن وكما يقول المثل الشهير «أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبدا»! المصيبة أن حتى «أن تأتي متأخراً» لم تجد لها من الإعراب موقعاً، ولسان حالنا يردد المثل الشعبي القائل «رضينا بالهم والهم ما رضي فينا»! فقد رهن وزراء الخارجية العرب التكليف بموافقة إسرائيل على فتح معابرها و«كأنك يا بوزيد ما غزيت»! الطريف في الأمر أن اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يدعوا حتى مجرد دعوة على الورق إلى كسر الحصار عن سكان القطاع، وإنما قرر توصيل مساعدات فورية تنتظر تنسيقاً مسبقاً مع الجهات الإسرائيلية لوصول هذه المساعدات! أما المضحك في الأمر أن الاجتماع الطارئ للسادة وزراء الخارجية العرب لم يكن بالأصل مخصصاً لمناقشة الأوضاع المأساوية في غزة، وإنما كان مخصصاً لبحث مسألة الانقسام الفلسطيني! وياليتهم وجدوا حلاً أو مخرجاً للأزمة الداخلية الفلسطينية لقلنا أن اجتماعهم الطارئ حقق انجازاً جوهرياً، لكنهم وللأسف ومن خلال اجتماعهم الطارئ هذا، قد عمقوا الخلافات أكثر وأكثر بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة بعدما انحازوا إلى طرف دون آخر!
ولكن لماذا نلوم العرب؟ فالعرب لديهم هذه الأيام من الأولويات والقضايا ما هو أهم بكثير من قضية شعب محاصر يموت جوعاً! فماذا تعني قضية غزة تجاه موضوع مهم ورئيسي مثل موضوع حوار الأديان، وماذا تشكل قضية غزة من أهمية مقابل المصافحات الحميمة مع رئيس الكيان الصهيوني على هامش مؤتمر «حوار الأديان»، وما قيمة قضية غزة تجاه الجلسات الحميمة التي جمعت القادة العرب بنظرائهم الإسرائيليين والأميركيين؟ إذا ليس من العدل أن نلوم العرب بعد كل هذا!
أما السلطة الفلسطينية فمن الظلم والتجني أيضاً تحميلها مسؤولية ما يحدث في غزة! فالسلطة مشغولة هذه الأيام في نشر إعلانات مدفوعة الثمن في الصحف العربية والإسرائيلية والدولية لشرح «مبادرة السلام» العربية، وهذا بالطبع أهم بكثير من قضية غزة! فالأموال الطائلة التي أنفقتها السلطة الفلسطينية من ميزانيتها الخاصة لنشر هذه الإعلانات تشكل أولوية بالنسبة لها على قضية غزة، حتى وإن كان سكان القطاع محاصرين حتى الرمق الأخير! أما الرئيس عباس فليس من العدل أيضاً تحميله أي مسؤولية عما يجري في قطاع غزة لأن الرجل يخطط لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، والانتخابات كما يعلم الجميع أهم بكثير من عملية فك الحصار عن القطاع المغلوب على أمره!
خلاصة القول ان ما يجري اليوم في قطاع غزة من مآس إنسانية وجرائم كارثية لم تشهد البشرية لها نظير في العصر الحديث، لا يمكن السكوت عليها وقد فاقت كل أشكال الاحتمال والصبر! مليون ونصف المليون فلسطيني يواجهون الموت المحقق بفعل الحصار الإسرائيلي، والعالم بأسره يقف موقف المتفرج على جرائم الحرب التي ترتكب بدم بارد في غزة! لكننا لن نلوم العالم بعد اليوم، ولن نعتب على أحد تخليهم الإنساني والأخلاقي عن غزة، مادام العرب أولى الناس بالقضية الفلسطينية تخلوا عن قضيتهم الأولى، وشاركوا الإسرائيليين في الحصار المفروض على قطاع غزة بعد أن استمرؤوا كل أشكال الخزي والعار!
في هذا الزمن الرديء، لا نملك إلا أن نقول للعرب عار عليكم ما يحدث اليوم في غزة... وأي خزي أكثر من هذا يا عرب!
عمار تقي
كاتب كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي