No Script

من زاوية أخرى

الغرب بين حقوق الإنسان والحيوان!

تصغير
تكبير

منذ فجر اليوم الاثنين، بدأت جموع ضيوف الرحمن بالتوافد إلى صعيد عرفة لأداء الركن الأعظم في الحج، وهو الوقوف على الجبل، في تظاهرة لم يعرف التاريخ- قديمه وحديثه- أعظم منها لا من حيث العدد ولا الهدف، ولا حتى المشاركين.
فمع انتصاف نهار اليوم العظيم التاسع من شهر ذي الحجة، يكون جبل عرفات قد اكتسى في موعده السنوي باللون الأبيض، ليبدو كما لو تغطيه الثلوج، فلا تكاد ترى موضعا خاليا من بياض ثياب الحجيج، هؤلاء المؤمنون الذين جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، امتثالا لأمر الله عندما أمر نبيه ابراهيم عليه السلام بالقول «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا» لنشهد أكبر مظاهرة في تاريخ البشرية، لا تنادي لموت أحد ولا لحياة أحد، ليس فيها احزاب وجماعات متفرقة متنافرة، بل ثلاثة ملايين أو يزيدون، على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم وثقافاتهم، يقفون على صعيد واحد، وعلى قلب رجل واحد، ولباس واحد، يهتفون الهتاف الخالد الذي لا يتغير بتغير الزمان «لبيك اللهم لبيك» هتاف تهتز له عروش الظلم والطغيان، وتدمع لسماعه قلوب المؤمنين الذين لم تحالفهم الظروف ليكونوا هناك فيقولون والدموع تنهمر من أعينهم «ليتنا كنا معكم».
يوم عرفة الذي يباهي الله ملائكته به، ويقول لهم «انظروا إلى عبادي شعثا غبرا لقد أتوني من كل فج عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، أشهدكم أني قد غفرت لهم» هو يوم المغفرة العظيم الذي حير الأمم الأخرى، وجعلها تتساءل عن السر العظيم الذي يربط المسلمين بهذا المكان، والحرص الكبير والتسابق العظيم للوصول إليه، إلى درجة أن سلطات المملكة العربية السعودية عملت بالتنسيق مع حكومات الدول الإسلامية وغيرها من أجل تنظيم الحج وتحديد الأعداد لكل دولة، بهدف استيعاب المكان وحتى تستطيع السعودية خدمة حجاج بيت الله بالشكل الذي يليق بالمناسبة وضيوف الرحمن، ولاسيما بعد أن وصلت أعداد الحجاج في سنوات مضت إلى نحو 6 ملايين حاج.


وطبعا غير المسلمين لن يستطيعوا إدراك جاذبية مكة ومناسك الحج فيها للمسلم الذي يعيش في أقصى الكرة الأرضية، إلى درجة تجعله يبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليها، والوقوف هذا الموقف العظيم، وهو ما دفع الكثير من غير المسلمين إلى القراءة والاطلاع عن الدين الإسلامي وهذه العرى الوثيقة بين المسلم وربه وبيته الحرام، فقاد الاطلاع هذا كثيرين من غير المسلمين إلى الإسلام ليدخلوا في عباد الله، وليرحلوا إلى بيته العتيق وليلبسوا لباس الإحرام ويقفوا الموقف العظيم ويشعروا بروعة الموقف وروحانيته، وليندموا على ما فاتهم من عمر كانوا فيه بعيدين عن الإسلام.
إذن هو الإسلام العظيم ونسكه المعظمة التي لن تستطيع قوة على الأرض، مهما بلغت من الجبروت الطغيان، أن تطمسها او تؤثر فيها، ومهما تعرض المسلمون في مناطق كثيرة من العالم لحرب ثقافية ودينية وحتى عسكرية، بغية طمس هويتهم الدينية، فإنهم ومع هبوب روحانيات الدين ينفضون عنهم غبار التأثير الخارجي، ويجلون قلوبهم في حب الله ورسوله ويسارعون إلى أداء فروضه، وليس أدل على ذلك مما سنشاهده الثلاثاء في أول أيام عيد الأضحى المبارك، من تقديم الأضاحي وإراقة دمائها تقربا لله عز وجل، وهو نسك عظيم يحاول الغرب بخبثه أن يحاربه، ويظهر على أنه انتهاك لحقوق الحيوان، فيما هم بالأصل ينتهكون حقوق الإنسان ويرتكبون بحقه أبشع الجرائم، حيث يسجل التاريخ أفظع الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسان، خصوصا المسلمين، كما حدث لهم في الشيشان على يد الروس وبعدهم مجازر البوسنة والهرسك على يد الصرب والكروات، ثم في كوسوفو، وليس بعيدا من نراه من اضطهاد بوذي لأقلية الروهينغا المسلمة في بورما وإقليم أراكان المسلم. فهل من ينتهك حقوق الإنسان بأبشع صورها يحق له أن يتحدث عن حقوق الحيوان؟!
بقي أن ندعو الله تعالى أن يتقبل حج الواقفين على الجبل وأن يكملوا حجهم بيسر وأمان وأن يعودوا إلى أوطانهم سالمين مأجورين، وكل عام وأنتم بخير.

h.alasidan@hotmail.com
@Dralasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي