د. سامي ناصر خليفة / ماذا فعل ثلاثي الاستجواب؟

تصغير
تكبير
أوقَفوا برامج التنمية في الكويت، وعرقلوا مصالح البلاد والعباد، وعطّلوا كل أمل في نية صادقة لبداية سليمة في العلاقة بين المجلسين الأمة والحكومة مع بداية دور الانعقاد الجديد، وشلّوا كل مناحي الحياة النيابية التي عوّل عليها الكثير من النواب من خلال انتخابات اللجان الأخيرة، وأخروا البحث في عشرات مشاريع القوانين، والاقتراحات بقوانين المعروضة على لجان المجلس الموقتة، والدائمة، وأربكوا جدول الأعمال الذي أعده مكتب رئيس مجلس الأمة للمرحلة المقبلة، وأنهوا كل جهود التوافق بين الحكومة والمجلس خصوصا بعد أن وضع الطرفان جدولاً زمنياً لطرح القضايا المهمة على رأس أولويات مجلس الأمة في جلساته حتى ابريل المقبل.
ولم يكتفوا بذلك، بل توجّهوا إلى الشارع ليدفعوه بتصريحاتهم النارية واليومية وشبه المبرمجة باتجاه التأزم، وليخلقوا مناخاً غاية في السلبية لم تعهده البلاد منذ مدة، ففرّقوا الناس إلى شيعٍ وجماعات، وقلبوا الطاولة على دعاة الوحدة الوطنية ليؤسسوا إلى منهج اصطفافي جديد وخطير يخالف روح الدستور، ونصوصه التي تدعو إلى تبني مفهوم المواطنة أساساً للتعايش المشترك بين أفراد المجتمع بشتى أطيافهم ومختلف توجهاتهم، وما يؤسف أن يدفعوا بمنهج لا أراه الله تعالى النور وهو تسييس الشارع ضد بعضه البعض إلى درجة باتت الفتنة هي التي تحكم سلوكهم باتجاه الآخرين.
أدخَلوا البلاد في حلقة مفرغة عنوانها أزمة دستورية طاحنة لم يعد لأحد القدرة على التنبؤ بمخرج مشرّف لها، وها نحن نرى اليوم سوء سريرة أفعالهم، وعدم نظافة نواياهم حين يرموا الملح على جراحات الوطن، وحين يسكبوا الزيت على نار الفتن ليزيدوها اشتعالاً لا لشيء سوى كي تكتمل حلقات السلسلة التي يراد لنا جميعاً أن نقتنع أنها جاءت بترتيب عفوي، وهو ليس كذلك بالتأكيد خصوصا أن السادة ثلاثي الاستجواب لا تنقصهم الحنكة السياسية، أو الخبرة البرلمانية.

لقد أشغلوا الدولة ومؤسساتها وهي تتعرض لأخطر أزمة مالية تمر بها منذ أكثر من ربع قرن، وشلوّا عقول الناس فلم يعد أحد قادراً على التفكير، واشغلوا أهل الكويت عن التفاعل مع القضايا القومية والإسلامية. ففلسطين تعاني المحنة بكل أبعادها، وشعب غزة يعاني الإبادة الجماعية عبر حصاره، والعراق تحت الابتزاز الأميركي لإجباره على التوقيع على اتفاقية أمنية مذلة ومهينة تمس عين السيادة هناك، والدول العربية والإسلامية تتقاذفها أمواج الأزمات السياسية والاقتصادية إلى درجة فقد الجميع البوصلة تقريباً ولم يعد هناك أحد يهتم بأمور الآخر.
لقد كان بإمكان ثلاثي الاستجواب التدرج في استخدام الأدوات الدستورية مراعاة لحجم وخطورة تداعيات ما فعلوه اليوم، وكنّا نعول على تاريخهم السياسي وخبرتهم بالوضع القائم اليوم كي لا يضعوا البلاد في المحنة التي وضعوها اليوم، إلى درجة بات البعض يكفر بالديموقراطية وحتى بالدستور ومجلس الأمة! هذا بالضبط ما فعله ثلاثي الاستجواب. والله من وراء القصد.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_2009@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي