جاء إلى أمه مسرعاً فرحاً يتصارع الشعور فيه، فلا يدري أيبدأ بالسلام أم يصارحها بما يحمله من بوح ومشاعر تجاه الشقراء الحسناء التي عشقها أثناء دراسته في الخارج، ويعرف في الوقت نفسه أن أمه سدٌ منيع لأي محاولة لاختراق جدار العادات والتقاليد، فقرر أن يستخدم أفضل وسيلة للدفاع عن حبه الفرنسي الجميل، فقرر الهجوم على أمه بإخبارها بحبه لـ «چانيت» زميلته الفرنسية التي يعشقها حتى الموت، ولا يستطيع العيش من دونها ويريدها زوجة له وينقلها من أحياء باريس إلى منطقة الجابرية، فما كان من الأم إلا أن ثارت وغضبت وحلفت أيمانا مغلظة بأنها لن ترضى عنه إذا تزوجها.
حسين الذي نشأ في بيت محافظ وتربى تربية دينية، كان يسمع يوميا من أمه أنَّ البشر جميعهم من آدم، وآدم من تراب، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وأن الله خلق الناس شعوبا وقبائل لكي تتعارف، فلا أحد فوق أحد إلا بالتقوى. وجد حسين نفسه يصطدم مع أمه التي علمته كل هذه المبادئ تكسرها عند أول اختبار، وجد نفسه أمام اختبار حقيقي عرَّى من يدعي قبول الآخر، وأن الناس بقبولها لا بجنسياتهم، فما كان من حسين إلا أن كفر بهذا البيت ومبادئه المهزوزة وقرر أن يخطو في درب رغباته وحبه.
إن مجتمعاتنا مليئة بأشباه بأم حسين المتناقضة، التي تنادي وتربي بطريقة مثالية، وعند أول اختبار لهذه المثل تجد نفسها تأخذ أول استدارة إلى الخلف لتعود إلى حصنها وجهلها وتخلفها وعنصريتها، فتخلق عنصرا مشوشا في المجتمع مثل «حسين»، يكفر أول كفره بالمبادئ؛ لأنه يرى من استقى منه المعلومة غير صادق في تطبيقها، وأن من يتحدث باسم الدين أول الأشخاص الذين لا يلتزمون به، فلا هم أفادوا المجتمع ولا سلِم الدين منهم.