هل تستطيع عُمان تأمين سلّم لنزول ترامب عن... «الشجرة الإيرانية»؟
تَعتقد المؤسسة الأميركية - خطأً - أنها تستطيع التعامل مع إيران كما فعلتْ مع كوريا الشمالية باستخدام أسلوب الجزرة والعصا، إلا أن «ديبلوماسية التهديد» لم تنجح قط مع الجمهورية الإسلامية منذ سقوط الشاه العام 1979 ووصول آية الله الخميني إلى السلطة.
صحيحٌ أن الضغوط الأميركية أغرقتْ إيران في أزمةٍ نقدية وتَدَهْوُرٍ في سعر العملة المحلية الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق، إلا أن التهديد الأميركي وحدّ البلاد وجَمَع للمرة الأولى بين «الحرس الثوري» والقيادة السياسية المعتدلة.
من الواضح أنّه لا يزال هناك الكثير لأميركا الحديثة لتتعلّمه عن تاريخ ومواقف الإمبراطورية الفارسية القديمة وصبْرها في التعامل مع المحن والشدائد. وبالتالي لن تقبل طهران بأيّ اجتماعٍ مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أن يُظْهِر حُسْنَ نيّاته بخطوةٍ يتراجع فيها عن نسْفه للاتفاق النووي ويرْفع كل العقوبات غير القانونية والأحادية الجانب، وفقاً لمصادر إيرانية مطلعة.
لم تُغْلِق إيران كل الأبواب: فبعدما زار وزير الخارجية جواد ظريف عُمان واستقبلَه وزير الخارجية يوسف بن علوي بن عبد الله، سافَرَ الوزير العُماني إلى أميركا حيث التقى نظيره مايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي جون بولتون.
وأعرب ترامب عن استعداده غير المشروط للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني الذي يبدو أنه رَفَض 8 مرات لقاء الرئيس الأميركي، حسب ما كَشَفَه مدير مكتب الرئيس الإيراني محمد واعظي. ووفق مصادر في القيادة الإيرانية، «فقد عُقدت اجتماعاتٌ على أعلى المستويات بين روحاني والحرس الثوري حيث تمّ الاتفاق على أن لا يردّ روحاني على تهديدات ترامب، بل يتكفّل به اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري».
«أنتَ رجلُ دينٍ وعالِم محترَم ورئيس متّزن. فمن غير اللائق أن تردّ على رجلٍ سفيه مثل ترامب الذي لا يمانع أن ينزل إلى أدنى المستويات. نحن نردّ عليه»، قيل للرئيس روحاني، حسب المصادر الإيرانية.
قبل أعوام عدة، نجحتْ القيادة السياسية بإقناع مُرْشِد الثورة السيد علي خامنئي بالحوار مع واشنطن. وهذا ما أدى الى توقيع اتفاقية الملف النووي وخطة العمل المشتركة العام 2015 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما من قبل مجموعة من القوى العالمية.
وعلى الرغم من موافقته، إلا أن خامنئي ذكّر القيادة السياسية بأن «أميركا لا يمكن الوثوق بها» ولكنه لا يمانع ما دامت المحاولة تصبّ في هدف إنعاش الاقتصاد الإيراني.
وعلى الرغم من ردّة فعل ترامب غير القانونية بإلغاء الاتفاق من جانبه وحده، إلا أن هذه الخطوة فصَلتْ أوروبا والأمم المتحدة وروسيا والصين والهند وتركيا عن المسار الأحادي الأميركي بعدما رَفَض هؤلاء السير خلف واشنطن بالعقوبات على إيران.
لكن تهديد ترامب بمنْع طهران من تصدير نفطها دَفَع المسؤولين الايرانيين للقول إن «إيران ليس لديها شيء تخسره. فإذا لم نتمكّن من تصدير نفطنا فلن يُصَدِّرَه أحد. وهذا يعني حرباً شاملة أو على الأقل منْع شركات التأمين من توقيع العقود مع ناقلات النفط في هذا الجو المشحون. وبالتالي سيرتفع سعر النفط إلى السماء للدول غير المُنْتِجة للنفط».
كلّ مسؤولٍ ايراني تحدّثنا إليه يؤكد ان «لا أحد يثق بالإدارة الأميركية الحالية، وبالتالي فإن إيران تحتاج الى دليلٍ عملي قبل الشروع في أيّ حوارٍ. لقد حاولتْ أميركا عزْل إيران عن روسيا والصين عند توقيع الاتفاقية العام 2015. لكن هذا التمني كان خطأ لأن روسيا والصين دولتان شريكتان لنا. يريد ترامب أن يجلس معنا من دون شروط. نحن نرفض عرْضه إذا لم يتراجع أولاً عن خطواته. نحن لن نتراجع عن إنتاج وتطوير صواريخنا، وكذلك لن نتراجع عن دعم حلفائنا في الشرق الأوسط. وإذا كانت هذه شروطه فيستطيع البقاء مكانه لأننا نرفضها».
هدّدتْ إيران «بضرْب 35 قاعدة أميركية في غضون دقائق». ويقول المصدر: «ستشارك سورية ولبنان والعراق وأفغانستان ودول أخرى وتُفتح الجبهات كلها ضدّ أميركا إذا أرادتْ الحرب. نحن نعي قوة أميركا العسكرية المتفوّقة، ولكننا لن نستسلم وسندافع عن أنفسنا بكل قوّتنا وسنفتح كل الجبهات».
لا خلاف بين المسؤولين الإيرانيين أو بين خامئني وروحاني، بل لكلّ دوره ومكانته. ولا تأخذ الإدارة الإيرانية والقيادة السياسية مواقف من دون موافقة خامنئي كما يعتقد خطأً البعض. لكن المرْشد يترك هامشاً للسياسيين للتحرك مع الالتزام بالخطوط التي يضعها والتي تحدّد مَن يلتقي من عدمه وما تستطيع إيران تقديمه أو لا.
«لم يغلق السيد علي خامنئي البابَ أمام الفريق الرئاسي للتفاوض حول ملفات أخرى شرق أوسطية تهمّ الإدارة الاميركية. ولا علاقة لهذا بالملف النووي. إلا أن أي ملف آخر لن يتطرّق إليه أحدٌ منا إلا عندما تُرفع كل العقوبات ويُطبَّق الاتفاق بحذافيره. فأيام أوباما، لم يُطبَّق الاتفاق ولم تُرفَع العقوبات عن المصارف ولم تلتزم أميركا بإعادة كل الأموال المُصادَرة. وترامب أسقط الاتفاقية ولم يحترمها. يجب أن يعود أدراجَه أولاً».
قال ترامب بنفسه إن «كل الأنظمة في الشرق الأوسط موجودة لأن أميركا تحميها». إلا أن هذا لا ينطبق على الجمهورية الاسلامية التي حاولتْ واشنطن إسقاطها منذ 1979 لغرض الهيمنة والسيطرة عليها. لقد دعمتْ إيران العراق، و«حزب الله» في لبنان، وأفغانستان، واليمن، وسارت ضدّ سياسة أميركا وحلفائها في الشرق الأوسط، وهذا ما لن تغيّره طهران بسبب عقيدتها التي تفرض عليها رفْض السيطرة الأميركية ودعْم حركات التحرُّر في العالم.
لن تنجح عُمان في مسعاها من المحاولات الأولى ولا المتكرّرة، إلا إذا عاد ترامب عن خطواته. وهذا مستبعَد في ظلّ إدارة الصقور الحالية. وبالتالي فإن الشرق الأوسط لن يكون الأكثر أمْناً في ظل تواجدِ مسؤولي واشنطن المنادين بالحرب بدَل المفاوضات والاتجاه نحو اقتصادٍ عالمي أفضل.