مخاوف الناس تدور حول عالم الجن وتكثر في عصرنا الحالي مدارس التدريب والتنمية البشرية المشبوهة
عالم الملائكة... إبحارٌ في عوالم النور والذكر والتسبيح
على العبد المؤمن أن يستشعر عالم الملائكة ويتعمق في معرفة هذا الجانب المهم في حياته
الملائكة تصلي علينا وتبحث عن مجالس العلم وتشهدها
عدد كبير جداً ولا جنس لهم ولديهم قدرات خارقة وهم يموتون كما يموت البشر
بعض السحرة وشياطين الإنس يقرون باستعانتهم بالجن لتحقيق رغبات الناس القلبية وأحلامهم المستحيلة
يتكلم سائر الناس عن عوالم الجن، وتدور معظم القصص والحكايات والأفلام والمسرحيات عن الجن والشياطين وما يسمونه الأرواح الشريرة، ويتفنن بعض المهووسين بعالم الجن في زرع حالة الرعب في القلوب من أجل تحقيق عنصر الإثارة في دخول عوالمهم، وتدور مخاوف الناس حول هذه العوالم.
ويكثر الآن في عصرنا الحالي في مدارس التدريب والتنمية البشرية المشبوهة منها، ما يسميه البعض «الصحوة الروحية» وهو في حقيقته دخول منهم في عوالم الجن التي يدّعون فيها استحضارا للملائكة، وعلى رأسها سيدنا جبريل في سبيل تحقيق بعض الأمور في حياة المتدربين، وفي حقيقته هو تواصل مع عوالم الجن. لنترك هذا الموضوع الآن، ولنغوص معا في عوالم الملائكة، ذاك الفضاء الجميل، فضاء النور والذكر والتسبيح، وقد ذكرنا أمين الوحي جبريل الذي جاء في مسند الإمام أحمد بإسناده جوَّده ابن كثيرعن عبدالله بن مسعود قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدرر واليواقيت».
وإن كان حملة العرش ثمانية فهذا وصف لواحدٍ منهم، روى الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد صححه الألباني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش، رجلاه في الأرض السفلي ـ السابعة ـ وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت». ما أعظم عبادتهم، إنهم مفطورون على ذكر الله تبارك وتعالى، وقد وصفهم سبحانه وتعالى بقوله: «يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ»، وروى مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذكر أفضل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحانه الله وبحمده».
تصلي الملائكة علينا، قال الله عزّ وجل: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»، وصلاتها هي الدعاء للناس والاستغفار لهم، وتصلي على المبكرين للمساجد المنتظرين للجماعة كما في مسلم وتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وتصلي على الصفوف الأول منها كما صح عند أبي داود، كما روى أبو داود في سننه وصححه الألباني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: «ما من رجل يعود مريضًا ممسيًا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة، ومن أتاه مصبحًا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة».
كما وتبحث الملائكة عن مجالس العلم وتشهدها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا». وتحضر الملائكة يوم الجمعة وخطبتها، في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد، يكتبون الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذكر». إن الحديث عن الملائكة باب واسع وممتد، ولكنه دخول إلى عالم نوراني جميل، في حين نجد متاهات شائكة في الدخول في عوالم الجن والشياطين، ويقر السحرة وبعض شياطين الإنس استعانتهم بالجن لتحقيق رغبات الناس القلبية، وأحلامهم المستحيلة، ونعلم بأن الجن خُلقت من نار، وفيهم المؤمن وفيهم الكافر، قال الله تبارك وتعالى: «وأنَّا منَّا المؤمنون ومنَّا القاسطون».
ومنهم من يأمر بالخير، ومنهم من يأمر بالشر، وهم كالإنس في شهواتهم، والجن منزلون على مراتب، وهناك من يسكن مع الناس وهو العامر، وجمعه عمار، وهناك الشيطان وهناك العفريت. وهم موجودون معنا على الأرض. قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة». وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء».
في حين خُلقت الملائكة من نور، وهم جميعا مؤمنون، ولا يأمرون إلا بالخير، والغريب في الأمر هو تمحور بؤرة الضوء عند الناس حول عالم الجن والشياطين دائما، ولكن ماذا عن عالم الملائكة؟ لماذا تكثر الأحاديث اليومية عن عالم الجن وتقل عن عالم الملائكة؟ ولماذا يلفت الجن انتباه الناس وقصصهم، ولا يتوجه اهتمامهم على عالم الملائكة؟ وهنا ينبغي ذكر عنصر الخوف المتجلي من المس واللبس من شياطين الجن، ولكنهم لا يستشعرون عالم الملائكة، ولا يتجولون في رحابه الجميلة! إنه صنف من المخلوقات الذي لا تعرف روحه نوازع الشر، إنه مفطور على ذكر الله والتسبيح والتقديس، لا يأكلون لا يشربون ولا يتزوجون، ويفعلون ما يأمرهم الله تبارك وتعالى، إنهم جند الله عز وجل، ولا بد أن نستشعر وجودهم في حياتنا، فهم يحفظوننا بأمر من الله عز وجل، وهم يحبون من يحبه الله عز وجل، وينزلون عند قراءة القرآن وفي مجالس الذكر.
وعدد الملائكة كبير جدا ولا جنس لهم، ولديهم قدرات خارقة، وهم يموتون كما يموت البشر، ولكن لا نعرف تفاصيل هذا الأمر، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صور أو كلاب، ومعنا ملكان، أحدهما لتسجيل الحسنات، والآخر للسيئات، وملك الحسنات هو أمير ملك السيئات، وهذا من فضل الله عز وجل علينا، ورحمته بنا، حتى لا يسجل السيئة لربما نستغفر عنها، والملائكة تفرح بحسنات العبد، وتوبته لله عزّ وجل، وتحرك بواعث الخير في نفوس البشر، كما يرسل الله عزّ وجل في الليل حرسا من الملائكة يحفظونه وهو نائم، وهناك طائفة السياحين في الذكر الذين يذهبون لمجالس الذكر.
إن الحديث عن عالم الملائكة حديث جميل وممتع للغاية، ولكنه تقرير سريع وموجز يوجه دعوة قلبية للعبد المؤمن لاستشعار عالم الملائكة وللتعمق في معرفة هذا الجانب المهم في حياته، وفيه دعوة لاستشعار الملائكة أكثر من استشعار الجن.