خواطر صعلوك

انت ليبرالي أم عايش الدور!

تصغير
تكبير

لا شك أن في الليبرالية، «هكذا على إطلاقها»، هناك مبادئ وقيما جميلة ولطيفة تجعل من الحياة مساحة اجتماعية متسامحة ومدنية تسعى بالجميع دائماً نحو الأمام.
بعيداً عن تجليات هذا «الأمام»، إلا أن ما يميز الليبرالية أكثر مما يعيبها. وبعيداً عن كوني لست ليبرالياً، لكنني «عايش الدور»، إلا أنه يجب أن أشير بكلتا يديّ إلى أهم مبدأ أو قيمة تميز الليبرالية في نظري، وهي أنها تراجع نفسها باستمرار، وتنصت... وهكذا ينبغي أن تكون.
وإذا كانت الحفرية المكتشفة «لوسي» هي من تداعيات فكرة «دارون» في التطور، فلا شك أن الليبرالية تحديداً هي بنت تداعيات النقاش المستمر في المجتمع حول القضايا الشائكة وجذورها، ثم محاولة التوفيق والتأليف والتوليف حول كيف جعل المجتمع متسامحاً ومدنياً إلى أقصى درجاته.


الليبرالية لا تدافع عن نفسها أو تدعو إلى التنوير بالصراخ والتغريدات الحادة التي تحمل من سوء الفهم الجمعي، أكثر مما تحمل من الفهم المشترك، تصريحات أو تغريدات لا تفهم إلا من قبل مَن يعرفون المغرد أو الشخص المتكلم نفسه.
الليبرالية خطاب إلى المجتمع وليس إلى «شلة الأصدقاء»! فهي مقاربة نحو المجتمع وليست خطاباً يستعلي عليه ويجهله مستنداً على نظرية تطلب من أفرادها إنارة الطريق لمجموعة من الحمير والبغال وأصحاب الأيديولوجيات والفاقدين لمعنى التطور والتقدم.
كيف نصدق أن الليبرالية خطاب أخلاقي عالمي ثم وقت التطبيق تتحطم أقوى المبادئ على صخرة الواقع، فيظهر المدافع عنها حد التخمة على المنصة دائماً وهو لا يفتقد للحقائق بقدر ما يفتقد للذوق في الطرح أمام مجتمع يتلقى، ولا تنقصه الصراحة بقدر ما ينقصه الاتزان أمام شريك يستمع، يقف على المنصة وهو مخلص لمبادئ الفكرة، ولكن تنقصه مهارات التطبيق والممارسة، فيصبح من الواقعين تحت قبضة النظرية.
هذا هو الفخ ذاته الذي وقعت فيه جماعات إسلامية كثيرة... كانت تدعو أيضاً إلى القيم الجميلة، ولكن بمسميات أخرى التزموا بها ثم تحطمت مبادئهم على صخرة الواقع، فقط لأن قيماً مثل التطبيق على المستوى الفردي والتعاون على البر والتقوى في المستوى الجمعي كانت غائبة عنهم.
كل الخطابات الدينية والاجتماعية والسياسية التي لا تراعي السياق الذي تعيش فيه، وأحسن وأحكم الطرق للتعامل معه، ولا تبدأ من وعي الناس ولغتهم، ولا تؤمن بالإمكانية والسر الإلهي في كل فرد على حدة، وبأن الممارسة الاجتماعية للمبادئ والمشاركة مع كل الفئات في النقاش وليس المناظرات، هي قيم في حد ذاتها كالحرية والتسامح... أي خطاب ليبرالي لا يراعي هذا سيظل خطاب أقلية ونزهة قصيرة بين حقول البن والتبغ حتى لو بعد مئة عام أخرى.
وفي الحقيقة، نحن لا نملك أمام هذا الكم من الأخبار التي تقول إن فلاناً سجن بسبب «تغريدة» أو نص إلكتروني أو التصاريح التي تدل على معنى أو إشارة ملتبسة حول القيم التي يدعو إليها أصحابها، أقول نحن لا نملك إلا أن ننصح أصحاب الخطاب الليبرالي بأن يراجعوا أنفسهم في ما يتعلق بأسباب سوء الفهم المجتمعي المشترك البعيد عن دائرة المقربين، والذي دائماً يثار عند التطبيق والدعوة إلى مبادئ جميلة لا خلاف عليها.

قصة قصيرة:
حينما انفجر بركان أيسلندا على حين غرة، وقف العجوز ينظر في لوحة سريالية تبيّن أن الناس كانوا يهرعون نحو الفوهة، وعندما كان يحكي عن الحادثة كونه الناجي الوحيد كان يردد:
- بالتأكيد لن تقولوا إنه كان جهل أفراد، ولكن ستقولون لماذا صمتت النخبة الجيولوجية؟

كاتب كويتي
moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي