احتفل باليوبيل الذهبي لتأسيسه في 30 يونيو 1968

«المركزي»... جهود مضنية لتطوير النظام النقدي الكويتي

تصغير
تكبير
  • طرح الدينار شكّل  اللبنات الأساسية  لانطلاقة مسيرة بناء النظام النقدي المعاصر

احتفل بنك الكويت المركزي أمس، باليوبيل الذهبي لصدور القانون رقم (32 لسنة 1968) في شأن النقد وتنظيم المهنة المصرفية، كونه الإطار القانوني والتشريعي لإنشائه، وقيادته لمسيرة بناء وتطوير النظام النقدي المعاصر في الكويت.
وسبق صدور هذا القانون جهود مضنية لمجلس النقد الكويتي، الذي عمل منذ إنشائه على الإعداد، للتحوّل إلى بنك مركزي لتكلل هذه الجهود في 30 يونيو 1968، بصدور القانون رقم (32 لسنة 1968)، ولتنتقل مهام مجلس النقد الكويتي الى بنك الكويت المركزي.
وأسند هذا القانون مهام أخرى لـ «المركزي» تعزيزاً لسيادة العملة الوطنية، واختصاص السلطة النقدية والرقابية ممثلة به، لممارسة امتياز إصدار الدينار الكويتي نيابة عن الدولة.


وتؤكد نصوص القانون المشار إليه، ترسيخ مبدأ استقلالية السلطة النقدية، بما يكفل مصداقيتها، وفاعلية قراراتها في مجالات عملها، إلى جانب توضيح المسؤوليات والاختصاصات والصلاحيات المنوطة بـ «المركزي»، وبما يلبّي بشكل خاص اعتبارات الحوكمة والإدارة الرشيدة في أعماله.
وتعود المسيرة النقدية في الكويت، إلى ما قبل اكتشاف النفط فيها عام 1936، وبداية تصديره عام 1946، إذ كان الغوص على اللؤلؤ والسفر للتجارة، مجالي النشاط الاقتصادي الرئيسيين في الكويت، وارتبطت بهما نمو صناعة السفن الخشبية، كما كانت هناك بعض الأنشطة الاقتصادية المحلية كالزراعة وصيد الأسماك والرعي.
وحدد هذا الهيكل الاقتصادي المعالم الأساسية للنظام النقدي في الكويت قديماً، والذي انحصر بتداول بعض العملات لدول كبرى حينذاك.
ولذلك يبرز إصدار وتداول أول عملة كويتية (بيزة) في عام 1886، في عهد المغفور له حاكم الكويت الخامس الشيخ عبدالله بن صباح الصباح (عبدالله الثاني)، كخطوة رائدة في توقيتها ورمزيتها في مسيرة نشأة النظام النقدي في الكويت، وجسّدت الطابع السيادي لإصدار العملة كامتياز سيادي تمارسه السلطة.

مجلس النقد
وجاء إنشاء مجلس النقد الكويتي عام 1960، في عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، بموجب المرسوم الأميري رقم (41 لسنة 1960) بقانون النقد الكويتي الصادر بتاريخ 19 أكتوبر، ومن ثم إصدار الدينار الكويتي وطرحه اعتباراً من مطلع أبريل 1961، ليضع اللبنات الأساسية لانطلاقة واثقة لمسيرة بناء النظام النقدي المعاصر للكويت.
وتبقى كلمة رئيس مجلس إدارة مجلس النقد الكويتي، ورئيس دائرة المالية والاقتصاد آنذاك، أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح في أولى جلسات المجلس خطاً عريضاً للتطلعات الوطنية في شأن العملة الوطنية، حيث قال «إننا نأمل بأن يكون النقد الكويتي من أقوى النقود مركزاً في العالم، وأن يكون إصداره خطوة مباركة في تاريخ الوضع الاقتصادي والمالي لمنطقة الخليج العربي».
وتعكس هذه العبارات الرؤية الريادية والتي تجسدت عملياً، بتحديد قيمة الدينار الكويتي بموجب قانون النقد الكويتي عند 2.448 غرام من الذهب، وهو القدر الذي يساوي في ذلك الوقت قيمة جنيه إسترليني.
وشكّل إنشاء مجلس النقد الكويتي، وإطلاق العملة الوطنية خطوة ريادية، أحدثت نقلة نوعية لتطوير النشاط المصرفي الكويتي، بما يواكب التحولات الاقتصادية الناتجة عن بدء الحقبة النفطية، وكان قد صدر بتاريخ 19 مايو 1952 المرسوم الأميري بإنشاء بنك الكويت الوطني كأول بنك كويتي.
وتسارعت في أعوام الستينات وتيرة التحولات الاقتصادية في الكويت، مع زيادة معدلات إنتاج وتصدير النفط، وما صاحب ذلك من زيادات إيرادات ومصروفات الحكومة، إذ بلغت المصروفات الحكومية في السنة المالية (69/1970) نحو 214.2 مليون دينار (706.8 مليون دولار)، في وقت ارتفع فيه الناتج المحلي بالأسعار الجارية آنذاك إلى 989 مليون دينار (نحو 3.3 مليار دولار).

تحديات الثمانينات
حفل عقد الثمانينات بتحديات عديدة، أبرزها انهيار أسعار النفط، واستمرار الحرب العراقية - الإيرانية، وأزمة سوق المناخ التي كانت الأزمة المالية الأشد وقعاً والأطول أمداً حتى ذلك الحين.
وبذل «المركزي» خلال هذا العقد، جهوداً متواصلة لمعالجة تداعيات تلك الأزمة، على أوضاع الجهاز المصرفي المحلي والاقتصاد الوطني، وقد كانت أبرز تلك الجهود برامج تسوية المديونيات الصعبة في أغسطس 1986.
وبانتهاء عقد الثمانينات من القرن الماضي، بما انطوى عليه من محيط متلاطم الأمواج ومطلع التسعينات، جاءت كارثة الغزو العراقي الآثم للكويت، بما حمله من دمار وتدمير لمختلف البنى الاساسية للاقتصاد الوطني ومن ضمنها النظام النقدي للدولة.
وتعتبر فترة الاحتلال العراقي الآثم التي امتدت 7 أشهر فترة عصيبة واستثنائية بكل المقاييس، تعرضت خلالها مسيرة بناء وتطور النظام النقدي للكويت، لضربة مدمرة تعطلت بفعلتها تلك المسيرة وامتدت تداعياتها لأعوام عدة بعد التحرير.
وشهد العالم في العقد الأول من الألفية الثالثة، فورة قياسية أخرى في أسعار النفط والتحولات السياسية العنيفة، تسارع معها نمو فوائض المالية العالمية للكويت وموازينها الخارجية إلى مستويات قياسية، انعكست في زيادة الأسعار في أسواق الأصول المالية والعقارية المحلية.
وبدأ في النصف الثاني من عام 2007 ظهور تداعيات أزمة الرهن العقاري، ومن ثم انفجرت الأزمة الاقتصادية المالية العالمية مطلع الربع الأخير لعام 2008، وقد اتسمت جهود «المركزي» خلال تلك الفترة بتطوير منظومة رقابية محكمة لتعزيز متانة القطاع المصرفي.

قرارات حصيفة

شكّلت قرارات «المركزي» وإجراءاته خلال الأزمة المالية العالمية، نقلة مبتكرة للنهج الاحترازي، لاسيما وأن الاقتصاد الكويتي كباقي اقتصادات العالم لم يكن بمعزل عن تداعيات الأزمة المالية، اذ واجهها من موقع قوة باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لزيادة تحصين الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي المحلي.
وبرزت حصافة «المركزي» وفاعلية إجراءاته في ما عرف بمعالجة أزمة بنك الخليج خلال الربع الأخير من 2008، وما حققته هذه الإجراءات من حلول جذرية ساهمت في تطوير واحتواء تداعيات تلك الأزمة، وزيادة تحصين باقي الوحدات المصرفية من تداعياتها المحتملة.
وبلغت المساعي لاستعادة أجواء الثقة، والمحافظة على تنافسية القطاع المصرفي ذروتها، في 3 نوفمبر 2008، بصدور القانون رقم (30 لسنة 2008) في شأن ضمان الودائع لدى البنوك المحلية في الكويت، وصدور المرسوم بقانون رقم 2 في مارس 2008 في شأن تعزيز الاستقرار المالي، ليشكل إجراء استباقياً احترازياً لمواجهة انعكاسات الازمة المالية.
وبادر إلى تكثيف جهوده الرقابية في مجالات عدة، ومن أبرزها إعداد وإصدار قواعد ونظم الحوكمة للبنوك في شهر يونيو 2012، وإصدار المعايير الرقابية الصادرة عن (لجنة بازل للرقابة المصرفية) المعروفة بحزمة إصلاحات «بازل 3» خلال عامي 2014 و2015.

إشادات عالمية

نال «المركزي» إشادات دولية وعالمية لدوره المتميز، إذ اعتبرت وكالة «ستاندردز آند بورز» في تقريرها في مارس 2016، أن التحسن في المخاطر المصرفية جاء نتيجة تعليمات أكثر حصافة من قبل الجهات الرقابية، في حين رأت وكالة «موديز» أن البنوك الكويتية مراقبة بشكل جيد من قبله. وأفادت وكالة «فيتش» العالمية للتصنيف الائتماني، أن السياسات الرقابية الحصيفة والصارمة التي يطبقها «المركزي» ساهمت في تحسين جودة الرسملة والسيولة والربحية لدى القطاع المصرفي.
وقيمت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، أداء «المركزي» في عام 2015 بمستوى (إيه.إيه.إيه).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي