ذكر ابن خلكان في كتابه «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان»، في ترجمته للإمام المشهور بالعِلم والتقى والزهد والورع داود بن علي بن خلف الأصبهاني، المعروف بالظاهري، الذي كان يحضر مجلسه 400 صاحب طيلسان أخضر، أنه قال: حضر مجلسي يوماً - ولم يكن حينها يعرفه - أبو يعقوب الشريطي، وكان من أهل البصرة، وعليه خرقتان، فتصدر لنفسه من غير أن يرفعه أحد وجلس إلى جانبي، وقال لي: سل يا فتى عما بدا لك، فكأني غضبت منه، فقلت له مستهزئاً: أسألك عن الحجامة...
فبرك أبو يعقوب ثم روى طريق «أفطر الحاجم والمحجوم»، ومن أرسله ومن أسنده ومن وقفه ومن ذهب إليه من الفقهاء، وروى اختلاف طريق احتجام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإعطاء الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه. ثم روى طرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم- احتجم بقرن وذكر أحاديث صحيحة في الحجامة، ثم ذكر الأحاديث المتوسطة مثل «ما مررت بملأ من الملائكة». ومثل «شفاء أمتي في ثلاث»، وما أشبه ذلك، وذكر الأحاديث الضعيفة مثل قوله عليه السلام «لا تحتجموا يوم كذا ولا ساعة كذا».، ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان وما ذكروه فيها، ثم ختم كلامه بأن قال: وأول ما خرجت الحجامة من أصبهان، فقلت له: والله لا حقرت بعدك أحداً أبداً.
هذه القصة خير نموذج على ألا نحكم على الناس بمظاهرهم، وأن جوهر الإنسان عقله وقلبه لا ثوبه وحذاءه وساعته وعطره وسيارته، فلربما شخص مغمور وبمظهر متواضع كان يحمل في داخله الكثير من الجمال ما ظننا أنه كان يحمله قبل أن نعرف شخصيته.