منزلة الإحسان
- منزلة المحسنين عند الله تعالى عظيمة ومرتبتهم كبيرة ودرجاتهم عالية
- أحسن إلى غيرك إحساناً ذاتياً من غير أن يكون ذلك الإحسان واجباً عليك في الشرع
- المُحسِن إنّما يقدِّم من يوم العمل إلى يوم لا عملَ فيه فإحسانه ذخيرته وادّخاره
- العدل أن تُعطي ما عليكَ وتأخذ ما لك والإحسان أن تعطي أكثر ممّا عليك وتأخذ أقلّ ممّا لك
- المحسن محبوب من المخلوقين ومحبوب من الخالق... لذلك كانت منزلة المحسنين عند الله تعالى عظيمة
الإحسان عبادة أيّاً كان شكله، قال تعالى: (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالعَدلِ وَالإحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُربَى...) (النحل 90). وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «أفضل الإيمان الإحسان»، بل هو أفضل منازل العبودية، بل هو حقيقتها ولبها وروحها وأساسها، وهو أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. فهو لب الإيمان، وروح الإسلام، وكمال الشريعة، وهو يدخل في سائر الأقوال والأفعال والأحوال، وأعظم درجات الإحسان هي الإحسان مع الله جلّ وعلا، ثمّ إحسان المرء مع نفسه وأهله وسائر المخلوقين.
قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص 77)، (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف 56)، يقول النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله كتبَ الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة».
الإحسان، الواجباتُ والأفعالُ الأخلاقية التي يتخطّى بها المرء حدود العدالة كالمحبّة؛ أي أن تُحسن إلى غيرك إحساناً ذاتياً من غير أن يكون ذلك الإحسان واجباً عليك في الشرع. هو شريعة أخلاقية قرآنية، هو كلّ الأعمال النبيلة والخيِّرة التي يقوم بها الإنسان في علاقاته مع الآخرين في حالتي السِّلم أو الحرب. هو العطاء السمح الذي ينساب من روح الإنسان وشعوره الحيّ فيدفعه إلى احترام مشاعر الآخرين وظروفهم.. لمسة اللطف التي تُخفِّف من صرامة العدل... والإحسان فوق العدل، العدل أن تُعطي ما عليكَ وتأخذ ما لك، والإحسان أن تعطي أكثر ممّا عليك وتأخذ أقلّ ممّا لك!
سُئل عنه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «أن تعبدُ الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك». سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عنه، فقال: «إذا صلّيتَ فأحسِن رُكوعَك وسُجودك، وإذا صُمتَ فَتَوَقَّ كلَّ ما فيه فساد صومك، وكلّ عمل تعمله لله فليكن نقيّاً من الدّنس»!
الإحسان، عملٌ كلُّه حتى الكلمة الطيِّبة، حتى المسح على رأس، يتيم، حتى المشاركة الوجدانية. الإحسانُ إذاً: قولُ الحقّ وفعل الخير!. يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «عليكَ بالإحسان، فإنّه أفضلُ زراعةٍ وأربَحُ بضاعَة». لأنّ المُحسِن إنّما يقدِّم من يوم العمل إلى يوم لا عملَ فيه، فإحسانه ذخيرته وادّخاره ورصيد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا مَن أتى الله بقلبٍ سليم.
المحسن محبوب من المخلوقين، ومحبوب من الخالق، ولذلك كانت منزلة المحسنين عند الله تعالى عظيمة، ومرتبتهم كبيرة، ودرجاتهم عالية، قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) (الرحمن 60)، أي ليس من جزاء لإنعامي عليكم بالإيمان والتوحيد إلّا الجنة، وبيَّن تعالى أنّه مع المحسنين بتوفيقه وحفظه وتأييده، فقال: (إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل 128). وأعلن جلّ وعلا محبته للمحسنين في أكثر من آية فقال: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحسِنِينَ) (آل عمران 134)، وأخبر تعالى أنّ رحمته قريبة من المحسنين، فقال: (إِنَّ رَحمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف 56)، وطمأن المحسنين بأنّ إحسانهم محفوظ، وعملهم مشكور، وفعلهم مبرور، فقال: (فَإِنَّ الله لا يُضِيعُ أَجرَ الْمُحسِنِينَ) (هود/ 115)، بل أدخل السرور عليهم، وأعلن البشارة لهم، فقال في آيات كثيرة: (وَبَشِّرِ الْمُحسِنِينَ) (الحج 37).
إنّ الوصول إلى مرتبة الإحسان يتمّ عن طريق رحمة الله، والرحمة بالآخرين، والإحسان هو حبّ الله، والولوج إلى حبّ المخلوقات عن هذا الطريق، وهو العيش بسلام واطمئنان. إنّ التوفر على الإحسان بمنزلة التوفر على الرحمة والحبّ والحياة المقترنة باطمئنان القلب، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين 4).