حوار / مهندس الوسطية الكويتية بدأ رحلته مع العلم من «جبلة» إلى المدينة المنورة

عادل الفلاح: حُرمت بطاقة مواقف السيارات في «الأوقاف» فعدت إليها وكيلاً

تصغير
تكبير

قذفت أحد زملائي بطبشورة ولكنها تابعت طريقها لخشم معلمي الدكتور رشيد الحمد

تزوجت وأنا في السنة الأولى بالجامعة وكان هناك معارضة خفيفة من الوالد

التزمت دينياً في سن السادسة عشرة وكنت محباً للعلوم الشرعية ودراسة الفقه

قررت دراسة الأحياء للرد على داروين لكنني تراجعت بعد اكتشاف صعوبتها

فكرت في الرد على فرويد فحولت لقسم علم النفس والاجتماع ودرست المدارس النفسية

قدت «الثورة التدريبية» في وزارة الأوقاف لرفع مستوى العاملين والشعور بالولاء المؤسسي

الوزارة حققت قفزات نوعية وباتت الأولى في كل شيء سواء في الأمور الدينية  أو الدنيوية

أخذت الفكر الوسطي من المشايخ الذين درست على أيديهم  في المدينة المنورة

التراث الكويتي قائم على الوسطية وأهل الكويت يعيشون تديّناً هادئاً يتقبل الآخر


ذكريات وأسرار وعصارة تجربة فاضت بها قريحة وكيل وزارة الأوقاف السابق الدكتور عادل الفلاح، الذي اختار «الراي» لتكون نافذته التي يوثق فيها تجربته للأجيال المقبلة.
الفلاح، الذي عرف عنه أنه «مهندس الفكر الوسطي» الذي بذل جهداً كبيراً إبان تواجده في الوزارة لنشره داخل وخارج الكويت، أكد أنه لم يكن طالباً متفوقاً وإنما كان مستواه متوسطاً، معللاً ذلك بأن «شقاوته كانت تؤثر على جدية الدراسة». وكما كان زواجه مبكراً حيث دخل قفص الزوجية في السنة الأولى بالجامعة ليرزق بعدها بعام بابنه أنس، كان التزامه الديني أيضاً مبكراً حيث التزم وهو ابن السادسة عشرة كما ذكر في حديثه لـ«الراي».
وفي الوقت الذي اعترف فيه الفلاح بضعفه في اللغة الإنكليزية، كشف عن مغامرة دراسة الأحياء للرد على دارون، لكنه تراجع بعد اكتشاف صعوبتها، وفيما يلي غيض من فيض حياة مليئة بما يستحق التوثيق.

• كيف وأين كانت النشأة؟
من نعم الله تعالى علي أن أنعم علي بطفولة أشبعت فيها عواطفي ووجداني، وأنا الآن اشفق على الأجيال الحالية لأننا نشأنا في طفولة عائلية في ظل العائلة الكبيرة الممتدة وليست أسرية فقط. ولدت عام 1953 في منطقة جبلة التي عشنا فيها حتى عام 1959، ثم انتقلنا بعدها للفيحاء ثم النزهة ثم الأندلس وأخيراً قرطبة.
• ما المدراس التي التحقت بها في طفولتك؟
التحقت بروضة الطارق في جبلة، ومازالت لوحتها موجودة وأقف عندها أحياناً بسبب الحنين لها، ثم التحقت بالأحمدية الإبتدائية في جبلة، ثم ابن رشد الإبتدائية، ثم الخليل بن أحمد المتوسطة، ثم الفيحاء المتوسطة، ثم ثانوية كيفان، ثم جامعة الكويت، ومنها للملكة العربية السعودية حيث درست الماجستير والدكتوراه في المعهد العالي للمدينة المنورة.
• هل كان هناك مساعدة من الوالد أو الوالدة في الدراسة؟
لا لم يكن هناك مساعدة في الدراسة، ولكن كان هناك تشجيع عن طريق الهدايا، وأنا كان لدي حرص واحساس بأهمية المستقبل. أخي الأكبر كان يتدخل إذا اشتكى علي أحد الزملاء في الدراسة أثناء المرحلة الثانوية وكنت أخاف منه وأشعر بالخجل منه.
• أتتذكر أحدا من مدرسيك في مرحلة الثانوية ؟
أتذكر الدكتور رشيد الحمد وزير التربية الأسبق، وكان مشرف الجناح أيضاً. وأتذكر أنني كنت يوماً أقذف أحد زملائي بالطبشورة، ولكنها وجدت طريقها لخشم الدكتور رشيد، بدلاً أن تصطدم بزميلي الذي أردت قذفه وعندها أرسلني لناظر المدرسة.
• ما سبب الاتجاه لدراسة العلوم الشرعية؟
التزمت دينياً في سن السادسة عشرة، وكنت محبا للعلوم الشرعية ودراسة الفقه والتفسير، وبعد الانتهاء من الثانوية كنا وقتها نقرأ عن داروين فقررت التخصص في علم الأحياء للرد عليه والدفاع عن الإسلام، وتورطت ووجدت الدراسة صعبة، وكانت إنكليزيتي ضعيفة لأن عقليتي رياضية. وأدركت أن داروين رد عليه الكثيرون من الأوربيين قبل المسلمين ولن أضيف كثيراً.
فكرت بعدها في الرد على فرويد فقمت بالتحويل لقسم علم النفس والاجتماع ودرست المدارس النفسية، وكان لي أثناء الدراسة الاجتماعية نشاط طلابي وأثر انشغالي بهذا النشاط على مستواي وانخفضت درجاتي، ولكن في الكورس الثاني من السنة الرابعة تركت العمل النقابي وتفرغت للدراسة فقط وحصلت على امتياز.
كان مجموعي التراكمي عند تخرجي من الجامعة 79 في المئة، وكان شرط تكملة الدراسة العليا ألا يقل المعدل عن 80 في المئة، ووقتها كان يسيطر التيار الليبرالي على الجامعة، ووضعوا لي العصا في الدولاب وتم رفض اكمالي للدراسات العليا رغم الكثير من المحاولات ورغم سماحهم لعدد من المحسوبين على التيار الليبرالي والذين كانت معدلاتهم أقل من معدلي بتكملة الدراسات العليا.
عملت بعد التخرج كأمين مكتبة في وزارة التربية، وتقدمت بطلب لتكملة دراستي العليا في تخصص علم النفس، لكن الوزارة قالت إن المتاح حالياً فقط تخصص خدمة اجتماعية ولكني رفضت تكملة دراساتي العليا في علم الاجتماع.
في ذلك الوقت سمعت أنه تم انشاء المعهد العالي للدعوة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، ويقبل هذا المعهد أي تخصص شريطة الدراسة لمدة أربع سنوات قبل الدراسات العليا وكأنه جامعة من جديد، وبالفعل تحمست وانتقلت من وزارة التربية لوزارة الأوقاف، بعد أن ذهبت للعم يوسف الحجي وزير الأوقاف الأسبق وقد كان بالنسبة لي الأب الثاني وقلت له أريد الانتقال لوزارة الأوقاف فوافق على الانتقال وعلى تكملة دراساتي العليا.
سافرت للمملكة العربية السعودية وأنهيت الماجستير، وكنت أنوي دراسة الدكتوراه في أميركا لكن مدير المعهد طلب مني وأصر على تكملتي الدكتوراه في أروقته.
• هل كان الزواج قبل الدراسات العليا أم بعدها؟
قبلها بفترة كبيرة، فقد تزوجت وأنا في السنة الأولى بالجامعة.
• ولماذا هذا الزواج المبكر؟
الزواج تحصين للإنسان، وكان هناك معارضة خفيفة من الوالد على زواجي المبكر. وأتذكر أنني تحدثت معه بعد صلاة الفجر وقلت له أريد الزواج، فقال لي «من صجك؟ انت مو صاحي». وكانت المعارضة بسبب أن اخواني الثلاث الأكبر مني لم يتزوجوا بعد كما أنه لم يكن هناك سكن مستقل وقتها لأتزوج فيه.
أجبت والدي بالقول: الأمر لك لكن إذا حدث لي شيء تحمل، فقال لي ناقش الأمر مع اخوانك وكانت اجابة اثنين من اخواني أن الأمر والقرار لي والثالث اعترض على فكرة الزواج المبكر.
حاول الوالد أن يثنيني لكنني كنت مصرا، فأبلغني أن أذهب لعميد العائلة عمي عبداللطيف الفلاح، وكان رحمة الله عليه يرعى الآخرين ويدعم من يحتاج، وعندما عرضت عليه الأمر رفض بشدة فقلت له جزاك الله خيرا، وبعدها مضى الأمر بتدخل من بعض الأقارب وتم الزواج في أولى جامعة ورزقت بأنس في ثانية جامعة، لم يؤثر زواجي المبكر على دراستي بالعكس شجعني وجعلني أكثر تركيزاً.
• وماذا فعلت بعد العودة؟
الدكتوراه وقتها لم تكن بالكثرة الموجودة الآن، ووجدت بعد عودتي أن بعض المسؤولين في وزارة الأوقاف قد ضاق صدرهم من هذا العائد الحامل لدرجة الدكتوراه، ومنعوني من كثير من الأمور البسيطة بما في ذلك بطاقة مواقف السيارات. وقدر الله أن أتجه للتعليم التطبيقي، بعد عملي لقرابة العام في الهيئة الخيرية الإسلامية مع العم يوسف الحجي، وتوليت فيها مسؤولية إدارة التخطيط بها ثم لجنة مسلمي آسيا.
بعد رئاستي لقسم التربية الإسلامية في التعليم التطبيقي تم ترشيحي كوكيل مساعد في وزارة الأوقاف، بتزكية من العم يوسف الحجي لوزير الأوقاف الأسبق خالد أحمد الجسار رحمه الله، وبالفعل عدت للوزارة وكيلاً مساعداً بعد أن كنت محروما حتى من بطاقة مواقف السيارات.
• هل يمكن الحديث عن تجربتك في وزارة الأوقاف، وبصمتك التي أحدثت نقلة نوعية في عمل الوزارة؟
مكثت قرابة 12 سنة كوكيل مساعد، واطلعت على القرارات والإجراءات وشاركت في كثير من الدورات والمحاضرات والندوات ثم عندما رشحت وكيلاً أول في فترة الدكتور عبدالله المعتوق وزير الأوقاف الأسبق، قررنا عمل استراتيجية عملية وأشركنا في اعدادها الجميع من القاع للقمة بما في ذلك كل الموظفين الصغار وهذه كانت رسالة مقصودة، وأسميناها التدريب الإستراتيجي ونجحت بسبب خطتها التنفيذية ووضوح الرؤية والمعايير والمؤشرات.
قمنا كذلك بعمل لقاءات النجاح لتشجيع المنافسة بين كافة الإدارات، وانتهجت نهج أسميته القضاء على الفيروسات المتمثلة في كل الممارسات السيئة من الكسل والنميمة وغيرها وحرصنا على تقوية العلاقات بين قطاعات الوزارة المختلفة.
قمنا بعد ذلك بما أسميناه الثورة التدريبية، لعمل تدريب مكثف ومتوالٍ وارتفع مستوى العاملين وشعروا بالولاء المؤسسي. وبعد اعتمادنا للفكر الإستراتيجي حققت الوزارة قفزات نوعية وباتت الأولى تقريباً في كل شيء سواء في الأمور الدينية أو الدنيوية، فقد كنا لا نفوز في المسابقات الدولية لحفظ القرآن أما بعد الإستراتيجية بتنا نفوز في هذه المسابقات ووصلنا لتخريج 240 حافظا وحافظة للقرآن الكريم. كذلك حصلنا على المركز الأول عالمياً في الحج وفقاً لاحصائيات السعودية التي لا تعلن رسمياً لكنها تصلنا، كذلك كنا جاهزين مبكراً في قضية الحكومة الإلكترونية. حتى في الرياضة لم تكن وزارة الأوقاف تفوز في كأس الوزرات وقمت بإمهال العاملين أربع سنوات وطلبت بعدها أن يفوزوا بالكأس وقد كان. وهذا كله ليس عادل الفلاح فقط، فقد كان يعمل معي آخرون ولكني أود تسليط الضوء على أهمية الفكر الإستراتيجي.
• ارتبط اسمكم الكريم بنشر الفكر الوسطي، فهل لك أن تلقي الضوء على أسباب اهتمامك بذلك؟
التركيز على الفكر الوسطي كان بدعم من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي قال نريد أن تكون الكويت مركز اشعاع للوسطية، وهذا حملنا مسؤولية كبيرة وعملنا لتحقيق داخل وخارج الكويت وأنشأنا مراكز للوسطية فيما يقارب ثلاثين دولة ترجمة للتوجيهات السامية.
وأنا أخذت من المشايخ الذين درست على أيديهم في المدينة هذا الفكر الوسطي، فضلاً عن ذلك فإن مشايخنا في الوزارة وسطيون ويتبين ذلك في محاضراتهم وكتاباتهم، والتراث الكويتي قائم على الوسطية وأهل الكويت يعيشون تدينا هادئا يتقبل الرأي الآخر ويتعايش معه سلمياً.
فالدين حاجة فطرية في الإنسان وإذا لم تشبعها بالصورة الصحيحة فسيأتي من يشبعها بصورة غير صحيحة، وعلى الحكومات أن تبادر في اشباع هذه النزعة الفطرية القوية حتى لا تترك لآخرين، ولهذا ركزت على هذا الأمر وتأصيل الفكر الوسطي أثناء وجودي في الوزارة.
كذلك زاد عدد دور القرآن الكريم من 15 إلى 115 دارا، وزادت مراكز تحفيظ القرآن فضلاً عن العمل في الموسوعة الفقهية والفتاوى وتوظيف الحج لخدمة الفكر الوسطي الذي يعد صمام أمان للمجتمع.
والحمد لله لا يوجد نزعة متطرفة إرهابية في الكويت، والحوادث التي وقعت أغلبها من أناس خارج الكويت وهذا لا يمنع من وجود حالات فردية معدودة لها ظروفها.

 من اللقاء

متعة العائلة الممتدة


تحدث الدكتور عادل الفلاح عن السر وراء استمتاعه بطفولته رغم عدم وجود وسائل ترفيه وقتها، فقال إن القضية لا تعتمد على الشكليات التي قد تكون متكلفة، ولكن الأمر يرجع لهذا الامتداد العائلي ووجود رعاية صحيحة من أكثر من شخص سواء العم أو الخال أو العمة أو الخالة أو الأخ الأكبر، والشعور بهذا الامتداد والولاء يجعل كل آباء الفريج آباء لكل الأبناء.


عادل... «الجعدة»

بسؤاله عن ترتيبه بين إخوته، قال الفلاح إنه «الجعدة» أي الأخير، وأضاف «وفي المثل يقال، الجعدة حبه رعدة، لدي أختي الكبرى وثلاثة إخوة أكبر مني».


إخواني قذفوني في البحر

يقول الفلاح إن كونه آخر العنقود جعله محل اهتمام من الوالدين، «والحمد لله استمتعت بذلك، وفلسفة العائلة ككل كانت تربية الأولاد على الخشونة وتعليمهم صيد البر والبحر. وأتذكر أن إخواني كانوا يقذفون بي في البحر وأنا صغير لأتعلم الاعتماد على النفس».


شقيّ... ببراءة

رداً على سؤال هل كنت طفلاً هادئاً أم حركياً؟ أجاب الفلاح بأن شقاوته كانت شقاوة بريئة محتملة، وقال «لم أكن ممن يقوم بعمل يؤذي الوالدين ولكنها كانت شقاوة المزاح».


قناص وحداق ماهر

أشار الفلاح إلى هواياته المفضلة، فقال «كنت أحب الصيد بشكل كبير، وأتمتع بمهارة كبيرة في الصيد، وأنا قناص وحداق ماهر، وهي تربية على المغامرة والاعتمــاد على النفس».


طالب غير متفوق

بسؤاله عن وضعه عندما كان طالباً، قال «لم أكن طالباً متفوقاً، وإنما كان مستواي متوسطاً، كانت شقاوتي تؤثر على جدية الدراسة. والحمد لله لم أتخلف ولا عام في سنوات التعليم الأساسي».


الدراسة تحت أقدام المشايخ

وجه الفلاح رسالة لطلبة العلم، ولاسيما من يدرسون الدراسات الشرعية، فقال «أود أن أقول لإخواني الدارسين للدراسات الشرعية بشكل خاص أن دراسة الجامعة مهما كانت متوسعة تبقى محدودة، لكن الأهم هو الدراسة تحت أقدام المشايخ وثني الركب عند العلماء».

 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي