حديث
حبيبتي فلسطين!
أكتب هذه المقالة وأنا في حالة شوق مستمرة لفلسطين لم تتوقف منذ أن جئت لهذه الدنيا، في حالة شوق لبيت جدي الذي ما زال لي حق فيه لن أنساه مهما حصل. أشغل تهليلة فلسطينية «أغنية» من تراثنا الفلسطيني الغني اسمها «وعيونها يا طير»، أقرب الورقة لجسدي ولقلبي الفلسطيني جدا، قلمي بيدي لينقل خفقان قلبي على شكل حروف أنقلها إليكم.آخذ قبلة من فنجان قهوتي وأبدأ.
في عام 1948 هجّر جدي عبدالسلام من يافا وتحديدا من حي النزهة، كما روى لي والدي ذات يوم. في ذلك العام تعرض الفلسطينيون للقتل والتشريد والتخويف والمجازر المروعة من الجماعات الصهيونية مدعومين من قوى أجنبية لتحقيق أهدافهم الوحشية. وعلى إثر ذلك، فإن من كان يريد النجاة بروحه وبمن تبقى من عائلته كان عليه أن يغادر المكان، فتجد من الفلسطينين من هاجر مشيا سيرا طويلا مرهقا إلى قرى أخرى لم تصلها العصابات الصهيونية بعد، ومنهم من استطاع أن يركب شاحنات نقل سوروها بأوانيهم المنزلية كنوع من أنواع الحماية من رصاصات العصابات الصهيونية التي كانت توجه رصاصاتها حتى على المغادرين من المكان لتخويفهم وقتلهم لآخر اللحظات، ومن الفلسطينيين من استطاع أن يصل البحر ليأخذ قاربا يقله إلى أحد المدن الفلسطينية وهذا ما فعله جدي ليصل بعد رحلة طويلة إلى جنوب فلسطين إلى «غزة» تحديدا.
أقفل جدي باب منزله في يافا وأخذ المفتاح ليغيب بضعة أشهر ويعود بعد أن ترحل العصابات الصهيوينة المتوحشة، لكن مر ما يقارب الـ70 عاما ولم نعد بعد! 70 عاما من الشتات والظلم وخسران الوطن، وفي خسران الوطن خسارة لكل شيء. لن أكمل قصة الشتات واللجوء فالمقال لا يتسع لذلك أبدا. سأتكلم عن فلسطين الحبيبة... سأوجه رسالتي لفلسطين الغالية التي لم ولن تغيب عن وجداني ووجدان كل فلسطيني حقيقي.
إلى حبيبتي فلسطين، بعد المحبة والتحية رغم البعد واللجوء والشتات، رغم الظلم والقهر، رغم تكالب العالم علينا، رغم السنين، رغم الاحتلال، رغم خذلان الأقربين... فإني أحبك، أحبك يا فلسطين!
لا بد أنك تعرفين أن العالم ما زال يعاقبنا يا فلسطين لأننا فلسطينيون. العالم يعاقب كل ما هو فلسطيني وكل من هو فلسطيني، حين يشيح العالم بوجهه عن وجودنا وحقوقنا وعن إنسانيتنا كبشر لننسى! وليس هذا فقط، فقد ظهرت فئة جديدة في العرب وعلهم يريدون أن يضعوا أيديهم بأيدي من احتلك وشرد شعبك وقتل منهم من قتل وما زال يفعل، المطبعون يدعون إلى علاقات سياسية واقتصادية مع من احتلك... تخيلي! أصبح التطبيع سنة كل لاهث وراء رضاء الصهاينة وأذنابهم. لكن ورغم كل هذا الحصار النفسي والمعنوي والاقتصادي والسياسي الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني مازالت العزيمة الفلسطينية تقول لا، لا للاحتلال، لا للرضا به. العزيمة الفلسطينية تكسر كل محاولاتهم للعب بذاكرتنا. خسئوا!
حبيبتي فلسطين، حبيبتي القدس، لن يهنأ المحتل بكما ما دمنا نحن الفلسطينيين على قيد الحياة، داخل فلسطين وخارجها. لن يستمتع المحتل بأرضنا سنذكّره من حين لآخر أننا هنا، سنذكّره كلما سنحت الفرصة بذلك. ما دام هناك فلسطيني واحد يتنفس ستستمر القضية الفلسطينة وتستمر مطالباتنا بحقنا الذي أخذ منا. ستستمر مساعينا لاستعادة أرضنا، حبيبتي فلسطين لن أنسى أن لي حقا فيك، في أرضك في هواك، لن أنسى أن بيت جدي يسكنه أغراب جاؤوا من بلدانهم ليحتلوا بيتا ليس بيتهم فقط لأنهم صهاينة. أعرف أن هناك ممرات تنتظر أن أمر فيها وكرسي فارغ ينتظر أن أجلس عليه، وبيت يصرخ أين أهلي الأصليين، ومسجد وكنيسة ينادياني كل صلاة! فلسطين لبيك فلسطين أينما كنت وأينما عشت.فأنت يا فلسطين الحرة بعزيمة أبنائك وهم المحتلون بتطبيعهم مع المحتل!
إذا كنت تقرأ مقالي الآن فاعلم أن هناك فلسطينيا يتنفس وأن فلسطين لم تمت ما دمت على قيد الحياة.
* كاتبة وأكاديمية فلسطينية
Twitter: Maysaa_alsharif