أبعاد السطور

ما احنا دافنينه سوا!

تصغير
تكبير

الشعب المصري الكريم، ثقافته الشعبية عامرة بالحكايات والحِكم والأمثال الجميلة، ومنها المثل الشعبي الذي يحمل عنوان هذا المقال، وهو مثل يُقال حينما يحاول شخص استغفال شخص آخر بشيء ما، كلاهما يعرف حقيقة أمره.
وحكاية هذا المثل بعد التعديل على أسلوب صياغته تعود لأخوين فقيرين كانا يمتلكان حمارا يساعدهما في العمل ويقضيان من خلاله بعض حوائجهما. ولقد كان الأخوان يحبان حمارهما كثيراً ويعتبرانه صديقاً حميماً لهما، ولقد أطلقا عليه اسم «أبو الصبر». وفي أحد الأيام ارتحل الأخوان في رحلة سفر، ولما كانا يسلكان طريقهما في الصحراء، مرض الحمار ومات، فحزنا عليه حزنًا شديدًا، وقاما بدفنه ثم نصبا خيمة عليه وظلا يبكيان، فأخذت الناس تمر بهما وتسألهما عن سبب بُكائهما، فيقولان لهم ان «أبو الصبر» قد مات، فتعاطف معهم الناس وأخذ بعضهم يبكي ظناً أن «أبو الصبر» شخص جليل أو عبد صالح قريباً لهما.
واستمر الناس تعزيهما وتواسيهما، وأخذوا أيضاً يقدمون لهما شيئاً من المال والطعام. وبعد فترة قصيرة قام الأخوان باستبدال الخيمة ببناء غرفة صغيرة، وأخذت الناس تتوافد وتتكاثر عليهما وتقدم التبرعات من المال رجاء أن ينالهم أجر وثواب «أبو الصبر»، الرجل الصالح! حتى أصبح المدفن مقصداً لضعفاء الإيمان من الناس للتشافي وفك السحر وتزويج العانس وجلب الرزق!


وأصبح الناس يتناقلون أخبار «أبو الصبر» وينسج حولها خرافات وحكايات أسطورية، وأخذ البعض يتكبد عناء زيارته من مناطق وبلدان بعيدة.
ولقد زادت الأعطيات والهبات من الناس على مدار سنوات، حتى نشب خلاف حاد بين الأخوين في يوم من الأيام وهما يتقاسمان المال. فقال أحدهما للآخر: سوف أطلب من الشيخ «أبو الصبر» أن ينتقم منك بسبب ظلمك لي. فما كان من أخيه إلا أن أطلق ضحكة عالية، وقال له: بتطلب من حمار وكمان ميّت؟ أنت نسيت؟ ما احنا دافنينه سوا!
انتهت حكاية المثل الشعبي المصري... ولقد تذكرته حينما شاهدت وسمعت أحد المسؤولين يتكلّم ضد أحد زملائه، ويستنكر عليه موقفه وكلامه العلني ضد مسؤول اخر، بينما هو من خلف الكواليس معه قلباً وقالباً!
وصدق من قال:
لا يَخدعَنكَ هُتاف القومِ بالوَطَنِ
 فالقومُ في السرِّ غير القومِ في العَلَن!
 
[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي