جودة الحياة

الكتاب يُعرف من عنوانه

No Image
تصغير
تكبير

اشتكت لي إحدى الصديقات الجحود والخذلان الذي لاقته من إحدى زميلات العمل، بعد أن منحتها ثقتها، فكانت غير جديرة بهذه الثقة، ولما سألتها عن سبب تسرعها هذا، كان جوابها «وهو جواب كثيراً ما نسمعه من الناس» أن ملامح وجهها مريحة، وكلامها يوحي بالثقة والطمأنينة.
 لقد انتشر بيننا وفي مجتمعاتنا أمثال وأقاويل بات الناس يتداولونها على أنها أحكام لا يمكن أن يتداخلها الباطل، فهي الحق المطلق والقانون الذي لا ينتابه شك أو ريب، وللأسف هذه المقولات كثيرة ونعتمدها دون تفكير أو دليل، ولربما ظهرت وانتشرت نتيجة حادثة أو موقف خاص، لا يمكن تعميمه أو الأخذ به كقاعدة عامة، أو كقانون لا يقبل الخطأ أو النقاش.
ومن هذه المقولات «الكتاب يُعرف من عنوانه»، بمعنى أننا يمكن أن نحكم على الأشخاص من خلال هيئتهم الخارجية أو طريقة تعاملهم وحديثهم. وكأننا نعرف سرائر القلوب وما تخفي الصدور. وهذا يخالف ما خبرناه في حياتنا وتعاملنا مع الأشخاص والمواقف.
كثير منا يصادفون أشخاصاً في حياتهم ويتخذون منهم مواقف تبعاً للانطباع من النظرة الأولى. ولكن سرعان ما تتغير هذه النظرة والمواقف بعد الاختلاط والمعاشرة، فمن كنا نظنه قبيحاً أصبح وسيماً لجمال روحه وسمو أخلاقه، وكم من وسيم أصبح لا يطاق بسبب أخلاقه وسوء معشره، وكم من أناس فتحوا قلوبهم ومنحوا ثقتهم لأشخاص خانوا الثقة وفرطوا بالأمانة، فقط بسبب أن مظهره مريح ويوحي بالثقة والطيبة.
نسمع كل يوم ومن شرائح مختلفة من البشر قصصاً وأحداثاً مؤلمة، نتيجة منح الثقة لأناس لا يستحقون هذه الثقة، فكم من بيوت تهدمت على رؤوس أصحابها، بسبب المبالغة في تقديرنا لأشخاص توحي مظاهرهم بالبراءة وصفاء السريرة. بينما حقيقة سرائرهم وما تخفي صدورهم هو عكس ما توحي ملامح وجوههم البريئة.
فالبشر خلقوا مختلفين بطباعهم وسلوكياتهم نتيجة اختلاف بيئاتهم وتربيتهم، وتنعكس هذه الطباع والسلوكيات في طريقة تعاملهم مع بعضهم، بغض النظر عن الجنس واللون والعمر والمعتقد، وبقدر ما يكون إعداد الفرد وتربيته صالحة، تكون ردة فعله إيجابية تجاه الآخرين.
يقولون في الأمثال «عدو عالم خير من صديق جاهل»، لأن الصديق الجاهل الأحمق سواء يدري أو لا يدري سيلحق بك ضرراً أكثر بكثير من عدوٍ تعرفه، وتعلم كيف تتعامل معه.
إن التعامل مع الآخر ضرورة تفرضها الحياة، والإنسان اجتماعي بطبعه ويحب أن يتشارك مع الآخرين الهموم والأفراح، لكن حذار من أن تجعل نفسك مادة تتناولها الألسن حين تبوح بأسرارك لمن لا يستحقون ثقتك، وغير قادرين على حفظ الأمانة التي أوليتهم بها، ومن هذا المنطلق وتجنباً لمخاطر الانزلاق فيما لا تحمد عقباه، وجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بعض الأمور حين نتعامل مع الآخرين:
بداية ليس كل ما يُعرف يقال، ومن الأفضل عدم البوح بخصوصيات لا تنفع السامع، فضلاً على أنها قد تسبب ضرراً وألماً لصاحبها إذا ما أسيء فهمها.
ففي مجال العمل يفضل حصر المناقشات في الأمور المهنية وما يتطلبه تطوير العمل وإنجازه على أفضل صورة، وعدم الخوض في الأمور الشخصية.
أما مع الأصدقاء فالحرص واجب، لأننا لا نعلم فعلاً ما يدور في الأذهان وما تخفي الصدور، فقد يتغير الصديق وتصبح أسرارنا مباحة لكل أذن وأخبارنا على كل لسان.
وفي حالة الاحتياج لمشورة أو إرشاد لمشكلة قد تواجهنا، فلنلجأ إلى مختصين في مجال الاستشارات، يقدمون المشورة الصحيحة، ويعملون بمهنية، ويحافظون على أسرار عملائهم لأن ذلك من طبيعة عملهم.
 ولأن التواصل والتعامل مع الآخرين ضرورة تفرضها الحياة، فمن الخطأ الأخذ ببعض الأقوال والأمثال الشعبية والاعتداد بها، ومنها مقولة «الكتاب يُعرف من عنوانه»، فكم من العناوين لا تدل على محتوى الكتب، وكم من مظاهر الأشياء لا تنم عن مكوناتها الداخلية، وكم من البشر تطل الطيبة من محياهم، لكننا نكتشف سوء بواطنهم حين نعاشرهم. في حين أن الذين كانت تزدري أعيننا نراهم بعد المعاشرة قمة الروعة والجمال بسبب نقاء روحهم وجمالها.
ختاماً وبعد أن استوفينا وأفضنا في المثل القائل «الكتاب يعرف من عنوانه» بما له وما عليه كمثال للمقولات الدارجة والمتداولة على أساس أنها حقائق مطلقة. سنناقش ونضيء في مقالتنا القادمة على مقولة متداولة أخرى عنوانها «فاقد الشيء لا يعطيه». فهل أنتم مع هذه المقولة، أم أن لكم رأياً آخر...؟!

* كاتبة ومستشار جودة الحياة
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
 [email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي