وجع الحروف

الكبار لا يعتبرون النصيحة نقداً...!

تصغير
تكبير

قال أبو بكر الصديق عند توليه الخلافة «... فإني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني? الصدق أمانة، والكذب خيانة...».
النصيحة من أشرف المقامات، وهي الوظيفة التي جاء بها الأنبياء والمرسلون لأقوامهم لتصحيح مسارهم، وهي إرادة الخير للمنصوح... نصح نوح عليه السلام قومه قائلاً «أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين». وجاءت على لسان صالح لقومه «... ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين».
الأصل في النصيحة، إرادة الخير للمنصوح لا التشهير به، أو تجريحه أو توبيخه، وهي في الغالب تأتي عبر الوعظ سراً!


إننا في العصر الحديث باتت مظاهر الفساد والأخطاء الإدارية المتكررة مراقبة من قبل جهات عالمية تذكرها عبر مؤشرات تبين ترتيب الدول، والكثير من أحبتنا الناصحين المخلصين لا يجدون طريقا لتوجيه النصيحة سرا وأنا أحدهم.
بعض الزملاء يعتب علي «أنت قاسٍ في طرحك ويفهم منه إنك معارض... وسألته إن كنت على حق في ما ذهبت إليه فجاء رده نعم... بس ربعنا ما يحبون هالطريقة»!
طيب ما هو الحل خلاف توجيه النصيحة عبر زاوية نعرض فيها مشكلة ظاهرة ونقترح الحلول لها، وهي في طبيعتها مقروءة من قبل الجهات المسؤولة عن كل ما ينشر، وبالتالي يفترض أن يكون هناك تواصل لفهم أصل المشكلة.
العجيب أن زميلا آخر يعلق «تعبير وجهك في اليوتيوب يشعر بأنك مستاء جدا... فقلت: هذه تعابير وجهي التي كتبها الله لي... وأنت تعرفني جيدا وإن كانوا لا يعرفون فهذا أمر آخر».
الناصح يفترض أن يكون ملما بالموضوع وصادقا في عرضه الذي يعود بالنفع للعموم، والمنصوح هو أي قيادي مسؤول عن جهة معينة شاب أداءها الكثير من الأخطاء و«قلة الدبرة كما يقولون»!
وصلنا إلى مرحلة «نشر الغسيل» وتحت قبة البرلمان والذي كان في طي الكتمان بات معلوما لدى الجميع إلى درجة اعتراف البعض بارتكابهم لأمور تعد من تعارض المصالح وتشير إلى انعدام الأمانة.
لنعد بالذاكرة إلى الفترة ما بعد التحرير إلى الآن... هل من مخطئ مقصر متجاوز سواء إداريا أو ماليا قد تمت محاسبته؟
قضايا معلقة... لجان تحقيق... استجواب، بعضه صنف بالشخصاني أو لأهداف خارج روح أداة الاستجواب الدستورية، كما نص عليها المشرع الكويتي.

نعود للنصيحة...
إذا كنا وغيرنا نجتهد في تحسين ثقافة الجموع، وتنمية وحسن استغلال لمواردنا البشرية والمالية، فلماذا يعتبرها البعض «نقدا غير مباح» أو يصنف الناصح بالمعارض!
إذا كنا معترضين على الخطأ ونوجه النصيحة فإننا وحسب الأصل في النصيحة إننا نحاول تصحيح المسار وهو نهج اتبعه أقوام من قبلنا ولم يجزعوا!

الزبدة:
إن الكبار لا يعتبرون النصيحة نقداً، بل يتقبلونها بسعة صدر متى ما خرجت من ناصح يريد الخير للبلاد والعباد، حتى في إيصال الحقوق لأصحابها وإن كانت قاسية في طرحها الظاهر. وهنا نتذكر ما جاء في حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية? فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته? ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك? فالتفت إليه فضحك، ثم «أمر له بالعطاء»!
من يتحدث كناصح يبدأ في عرض الخلل «التعليم/‏الصحة/‏الطرق/‏المشاريع/‏التشابك في المهام/‏الممارسة الديموقراطية الخاطئة والتوزيعة للدوائر غير العادلة/‏التراشق في وسائل التواصل الاجتماعي» إنما هو يوجهها ونقصد هنا الناصح الذي يعتبر الصدق أمانة والكذب خيانة بكل احترافية ورغم هذا لا يجد آذاناً صاغية.
إن النصيحة تبقى من أشرف المقامات، ولا يدركها إلا من تربى على أخلاق وقيم يراد بقياديي هذا العهد أن يفرغوها من مضمونها السامي... الله المستعان.

[email protected]
Twitter: @Terki_ALazmi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي