انظر إلى تغريدة للزميل الدكتور عصام الفليج... «سأل أبو جعفر المنصور أحد حكماء بني أمية عن سبب زوال دولتهم فقال: أمور كبيرة أوليناها للصغار? وأمور صغيرة أوليناها للكبار? وأبعدنا الصديق ثقة بصداقته? وقربنا العدو اتقاء لعداوته... فلم يتحول العدو صديقا? وتحول الصديق عدوا».
وعد بالذاكرة إلى حكاية النجاشي ملك الحبشة الذي اشتهر حكمه بالعدل ولا يظلم عنده أحد عندما فر المسلمون إلى الحبشة? جهز وفد من قريش يترأسه عمرو بن العاص وعبدالله بن ربيعة وهم من أمكر رجال قريش وأشدهم دهاء... فهل دخل عمرو بن العاص مباشرة على النجاشي: لا؟
لقد ذهب إلى بطارقته وإلى رجال الدين والوزراء وكبار القوم والذين يجلسون عادة في مجلس النجاشي يشيرون عليه بالرأي وقد ملأ أيديهم جميعا بالهدايا العظيمة بهدف الوقوف معه ضد المسلمين ليكسب دعمهم أمام النجاشي ويسترد المسلمين.
عندما دخل عمرو بن العاص على النجاشي جاء في خطابه «أيها الملك? إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء» و«قد بعثنا فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم إليهم» وهنا تظهر معاني الذكاء والحكمة لدى النجاشي والمبنية على العدل في الحكم على أي قضية في رده «لا والله? لا أسلمهم إليهم حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم»... وانتهى برفض النجاشي تسليم المسلمين لوفد قريش بعد أن استمع إلى المسلمين وكون قناعته.
في زمننا الحاضر لا تحتاج إلى جيش عرمرم من المستشارين، فكل شيء واضح بفضل وسائل التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة. وقد علق زميل بقوله «الأمور الكبيرة وليناها لنواب مجلس الأمة كالتشريعات ومراجعة القوانين وأموال الدولة والتعيينات... فهل أعمارهم وخبراتهم تؤهلهم لذلك».
وزد عليها? قيادات تهبط بالبراشوت: فكيف لنا الاطمئنان على مستقبل جيل الغد؟ والحديث يطول في هذا الجانب لدرجة أن البعض منهم اعترف بقبضه للمال. ونذكر قول الشيخ أحمد العبدالله «السؤال البرلماني بسعر? رفع الصوت بسعر والاستجواب بسعر»! وصراع الأقطاب أصبح على المكشوف وتحت قبة البرلمان!
المراد? إن العبرة المستخلصة من الروايتين تتحدث عن العدالة في الحكم وطريقة اتخاذ القرار والرسائل التي تصل إلى أصحاب القرار حول بعض الأطراف من دون السماح للمتضرر بالدفاع عن نفسه كأقل حق إنساني كفلته القوانين والأعراف والنظم المتبعة.
عندما تحدثنا عن مؤشر الفساد وتدني مستوى التعليم والصحة وبقية الخدمات، حسب ما جاء في تقارير جهات عالمية هو في طبيعته لا يحتاج إلى اجتهاد استثنائي... فكل معالم الخلل والأسباب واضحة لكن خذ عندك سبب مشاكلنا:
ـ أنا «أحبك» أو أنت «من ربعي» أستمع إليك وإن كنت ممن يصرخ بحس وطني صرف على قدر الألم من مشاهد وممارسات خاطئة أوصلتنا إلى مستوى تعليم سيئ? خدمات صحية رديئة المستوى? مشاريع تنفذ بلا إستراتيجية واضحة تراعي الاحتياج الفعلي وتوقعات الجموع وشوارع «الله دخيلك» وتركيبة سكانية «الله أعلم بحالها»... فاسمك حينئذ سيدرج تحت قائمة رموز «المعارضة» مع إننا لم نفهم أسس المعارضة ديموقراطياً.
ـ الرابط بين صور الفساد «خشم الدينار» أو تبادل المصالح حتى على مستوى التعيينات والترضيات: فأي إصلاح نتحدث عنه؟
ـ ذباب إلكتروني... هذه آخر المراحل!
ـ ترويج للسفاهة صار نهجاً متبعاً يستأنس بمتابعته البعض لدرجة بلغت سوؤها ضرب العادات والتقاليد والقيم الإسلامية بعرض الحائط!
ـ مجاميع تسيطر على بعض مؤسسات الدولة العام منها والخاص وتأتي الاستجوابات وإن كان كثير منها «لك عليه»، لكن أصبحت «تسلق» كسلق الميزانيات وبعض التشريعات!
الزبدة:
هل سنستمر بهذا التيه المؤدي حتماً إلى الهلاك مؤسساتيا واجتماعيا وثقافيا أم أن هناك أملا في العودة إلى المربع الأول للعملية الإصلاحية التي لن تحدث إلا مع تغيير الكادر الاستشاري وإعادة تعيين القياديين وفق معايير عادلة فأكثر؟ ما يدمر الدول هو الترف والسفاهة والعمل وفق «الكيمياء الشخصية»!
لذلك? نريد من كل رجل رشيد لاسيما ونحن مقبلون على شهر رمضان الفضيل أن يحاول مراجعة اختياره لممثليه من نواب مجلس الأمة وأن تحتكم مجموعة اتخاذ القرار إلى واقع الأمور والاستماع للطرف الآخر وكل ما يذكر على صيغة «كل شيء تمام يا فندم» و«ما عندهم سالفة» إنما هو «كذب»... إنه الانحراف الذي نتمنى من الله عز وجل أن يعيننا جميعا على تقويمه... وأعتقد أن مضمون الروايتين أعلاه يكفي ولنتذكر الحديث الشريف «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» وعودوا إلى رشدكم... الله المستعان.
[email protected] Twitter: @Terki_ALazmi