450 مليوناً إضافية تضخ في حساباتها حتى 12 سبتمبر
الدين العام يربك البنوك بسداد 400 مليون دينار... «كاش»
الفوائض قد تدفع
بعض البنوك لتسابق
غير صحي يرفع
شهيتها للمخاطر
زيادة منسوب السيولة
تؤدي لتراجع الطلب
على الودائع ولفائدة أقل
عين «المركزي»
على التضخم وتجديد
أدوات تنظيم السيولة
لم يعد كافياً
انخفاض العائد يحرض
المودعين على الاستثمار
بالدولار بدلاً من الدينار
أطلت أزمة فائض السيولة غير المستغلة برأسها مجدداً على البنوك المحلية، لكن هذه المرة ليس من نافذة تراجع مستويات التسهيلات الموجهة إلى مشاريع التنمية، بل بفضل لجوء الحكومية أخيراً إلى «تكييش» دفعات من دينها العام.
وبحسب مصادر مسؤولة لـ «الراي»، فقد استعادت البنوك خلال الفترة الماضية 5 استحقاقات بقيمة 400 مليون دينار، كانت قد استثمرتها في سندات دين عام، طرحتها الدولة لتمويل عجز الموازنة، حيث تفاجأت بإخطارها بعدم تجديد آجالها، وبأنه سيتم تسديد الدفعات المستحقة خلال الأشهر المقبلة نقداً، ما لم يطرأ تغيير قانوني على موقفها بالفترة المقبلة.
ولفتت المصادر إلى أنه بدءاً من 2 يونيو المقبل حتى 12 سبتمبر، ستحل 5 استحقاقات بقيمة 450 مليون دينار، منوهة بأن الآجال المستحقة، والتي شارفت على الاستحقاق مصدرة على فترات عام وعامين.
وجاءت المبررات الرسمية حول تغيير خطط الدولة بخصوص تعاملها مع استحقاقات الدين العام، رغم عدم انتقال ميزانيتها من مرحلة العجز إلى الفائض، بعدم وجود غطاء قانوني يتيح تجديد هذه المبالغ، أو حتى تدوير سنداتها مع مستثمر آخر، موضحة أنه في ظل عدم إقرار قانون للدين العام ستكون الدولة مجبرة على سداد دفعات دينها العام نقداً.
ولجأت الكويت منذ انتهاء صلاحية قانون الدين العام، إلى تمويل عجز الموازنة عبر السحب من الاحتياطي العام، وبحسب توجهات السياسة المالية الجديدة في سداد استحقاقات الدين العام نقداً، فإنه ينبغي على البنوك أن تعيد خططها بخصوص سيولة مكونة من 3 مليارات دينار إضافية آتية إليها على مدار السنوات الثلاث المقبلة.
ومصرفياً، بدأت البنوك تعاني من انعكاسات السداد النقدي للدفع المستحقة، وما يزيد القلق أكثر بخصوص إمكانية تضخم هذه المبالغ في القريب، أن سنداتها مصدرة على أساس هكيل زمني متنوع يبدأ من عام ويشمل عامين و3 سنوات و5 وأخيراً 7، بخلاف سندات الدين العام الخارجية الموزعة على آجال تبدأ من 5 وتمتد إلى 10 سنوات، ما يعني أن استرداد البنوك المحلية لاستثماراتها في سندات الدين العام باتت تشبه كرة الثلج التي تكبر كل شهر.
ويتفق مسؤولون مصرفيون مع هذا الطرح، إذ أكدوا لـ «الراي» أن دفوعات الدين العام النقدية، والمتوقعة قريباً، تشكل ضغوطاً قوية على حجم سيولة المصارف المتاحة للائتمان، منوهين بأن المصارف لم تكد تنته من تصريف الفوائض التي حققتها من تسديدات صفقة بيع «أمريكانا»، والتي رفعت مبالغها الطاقة القصوى لمنسوب السيولة، حتى تواجه فوائض جديدة، تثير المخاوف حول مدى توافر سبل امتصاصها.
وفي الأساس تشتكي البنوك الكويتية منذ فترة طويلة من ارتفاع منسوب سيولتها، إلى الحدود التي نقلت معها ذات مرة إلى بنك الكويت المركزي معاناتها من طفح السيولة، لاسيما في ظل تراجع معدلات الأعمال، قياساً بالمسجلة في العام الماضي، ما أسهم في زيادة الفوائض غير المستغلة في فرص وأدوات حقيقية.
ويرى المصرفيون أن الحديث عن إمكانية تحقيق نمو ائتماني قادر على استقطاب مزيد من السيولة خلال الفترة المقبلة يحتاج إلى إعادة نظر، فمحاسبياً تتكون غالبية المحافظ الائتمانية من قروض قائمة، كما أن الاتكاء على إمكانية تسجيل نمو حقيقي عبر قروض جديدة مقابلة للفوائض غير وارد من دون نمو اقتصادي حقيقي.
ويمكن اختصار أبرز ما يزعج صناع السياسات المصرفية من فكرة استرداد الدين الحكومي في التوقيت الحالي، في ما يلي:
* أولاً: مثل هذه الفوائض قد تدفع بعض البنوك لتسابق غير صحي إلى العملاء، في مسعى منها لتقليل تكلفة أموالها، وفي هذه الحالة تزاد المخاوف من أن يقود ذلك إلى رفع شهيتها للمخاطر، وهنا تستعيد الذاكرة أضرار مثل هذه الأجواء، التي كشفت عنها أزمة 2008.
* ثانياً: في ظل ارتفاع فوائض السيولة سيتراجع الطلب على الودائع، وفي أحسن التوقعات سيكون تحرك المصارف على هذه الأموال انتقائياً، ويستهدف الودائع الكبيرة طويلة الأجل، وكنتيجة حتمية لهذا التوجه قد يكون الطلب على ودائع الدينار بأسعار فائدة أقل قياساً بأسعار الائتمان المقابل، وفي هذه الحالة قد يفضل بعض المستثمرين، ومن باب التحول الانتقال بمراكزهم أو جزء منها إلى الدولار، ما يعاكس سياسة توطين العملة المحلية.
رقابياً، تفتح هذه الفوائض أعين البنوك و«المركزي» على هاجس التضخم أكثر، فمن نافل القول، إنه كلما ارتفعت فوائض السيولة لدى البنوك دون أن يقابلها سحباً مناسباً، تكون مؤشرات التضخم عرضة إلى الارتفاع، وأمام ذلك لا يستطيع «المركزي» تقديم مساعدات استثنائية بخلاف السحوبات الدورية التي يستخدمها في تنظيم السيولة، وأفضل ما يمكن فعله الحفاظ على تجديدها في مواعيد استحقاقاتها.
ولعل ما يزيد من ضبابية المشهد لجهة قدرة المصارف على قراءة مستقبل سيولتها ولو على المدى المتوسط، تراجع عجلة تمويلات مشاريع التنمية، وهي محقة في ذلك، فالقطاع الذي خرج من الأزمة بأقل الأضرار الممكنة، وتحمل تكلفتها من أموال مساهمي وحداته عن طريق ما تم تجنيبه من مخصصات «أكلت» من الأرباح لسنوات، يخشى الدخول في مواجهة جديدة مع أموال حكومية كانت لفترة قريبة عامل تهدئة لمنسوب سيولتها، وليس زيادتها.
وتأتي ضغوطات السداد الحكومي نقداً، في وقت تشتكي فيه البنوك من ندرة تعاملات سوق في ما بين البنوك (الانتربنك)، فرغم وجود فائض كبير من السيولة المعروضة لدى جميع المصارف، وبمعدلات فائدة أقل من التعاملات الأخرى من خارجها، لوحظ أن طلبات «الانتربنك» باتت مقتصرة على عمليات استثنائية، لا تعكس وجود حاجة طبيعية للسيولة.
كما أن البنوك، لا تعول كثيراً على إيداع جزء من سيولتها لدى البنوك الأجنبية، على أساس أن تعاملات هذه الأفرع مع البنوك الكويتية تقتصر غالباً على الإيداعات بالعملة الصعبة، أما بالنسبة للدينار فتعاملاتها مرحلية ومحدودة عادة، وبسبب عدم وجود هيكل أسعار لهذه التعاملات لا يتم التداول عليها، وإن حدث ذلك سيكون عبر نظام المبادلة.
وقالت المصادر «في حال عدم قدرة المصارف على تصريف فوائض سيولتها في الفترة المقبلة ستواجه عبء كلفتها، والتي ستغطى من حساب الأرباح».