الرأي اليوم / يا ولي الأمر... ماذا يحصل في الكويت؟

No Image
تصغير
تكبير

حصل ما كنّا نحذّر منه وقد يكون الآتي أعظم.
ندخل مباشرة في صلب الموضوع. لينكر من ينكر ويغضب من يغضب ويستنكر من يستنكر، فإن الاستجوابات التي نوقشت وآخرها أمس، نضحت بالعنصرية والطائفية والمذهبية والقبلية ناهيك بضيق الأفق والعجز عن الارتقاء بمسؤوليتي الرقابة والتشريع.
وقبل أن يعتقد أحد أن الكلام مُوجّه للنواب فقط، نقول إنه مُوجّه للحكومة قبل النواب، بل هو مُوجّه للنظام الذي يتلقى السهام ويعتبر أن جراحها محدودة.


موضوع تقني فني مثل موضوع النفط يتحوّل بقدرة قادر إلى قضية حضر وبدو. موضوع تعاوني عمالي يتعلق بالثروة البشرية والتنمية الإدارية يتحوّل بقدرة قادر إلى قضية مذهبية. وراجعوا كل الاستجوابات السابقة سترونها - مع بعض الاستثناءات-  خاضعة لهذه المعايير: سلوكيات تعصّب حضري وسلوكيات تعصّب قبلي وسلوكيات تعصّب طائفي لهذا المذهب أو ذاك مع بيئة امتدادات إقليمية.
 ماذا يحصل في الكويت؟  كانت سلوكيات وصارت شعارات وغداً قد تصبح هتافات في الشارع.
 أَمِنْ أجل استعادة كرسي نيابي نستحضر كل الغرائز الحضرية والقبلية والطائفية؟ حسناً، ماذا نفعل في المستقبل إذا صار الصراع على ما هو أكبر من كرسي في مجلس الأمة وسط كل هذا الحريق الإقليمي الذي نشتمّ رائحته ولا نشعر بلهيبه؟
لطالما حذّرنا أن من يوصله اللعب على الغرائز والعصبيات إلى منصبه سيأخذ البلد معه إلى الفوضى، ولطالما دعونا إلى تطبيق قانون الوحدة الوطنية على الرؤوس قبل الأتباع، ولطالما تساءلنا: إذا كان من اختارته الأمة لتمثيل الناخبين في دائرته يقود هذا الخطاب التقسيمي التفتيتي للبلد والمجتمع فماذا سننتظر من الآخرين؟
بغض النظر عن نيات المستجوبين وأحقيتهم الكاملة في ممارسة دورهم، كانت البنادق في مختلف الاستجوابات التي شهدناها تنتقل من كتف إلى أخرى بأسرع من ومضات البرق. لم نَرَ أحداً من المعارضين أو المؤيدين يتحدث في المحاور بل عن هوية وطائفة ودائرة الوزير ويتحدث عن العناصر نفسها لمستجوبيه. ورأينا «أحزاباً» تلتزم برامجها التي تقول عنها إنها دينية ووطنية وتقف مع هذا الطرف أو ذاك حسب الانتماء القبلي والمذهبي.
إذا لم تستطع الحكومة أو السلطة عموماً حلّ هذه المسائل بقوانين انتخابية عصرية وتوزيعات وتقسيمات للدوائر تحدّ من العصبيات فعليها على الأقل تطبيق القانون الذي يجرّم هذه اللغة وهذا الخطاب. اللهمّ إلا إذا كان بعضُ من في السلطة يريد استمرار هذا النهج الانقسامي الذي يولّد خلافات وصراعات كي تبقى السلطة في منأى عن النيران السياسية... وهنا أيضاً نذكر هؤلاء بأنهم أصحاب ذاكرة قصيرة وأن هذا النهج لم يحمهم من الهجوم ولم يحصّنهم من دعوات تغيير النظام وأدى إلى أوضاع مخيفة في تحولات إقليمية كادت يضيع معها البلد.
عملت الحكومة تاريخياً على اتجاهين: تشجيع انقسام الفئات السياسية والتكوينات الاجتماعية بهدف بقائها حكماً ولجوء الجميع إليها، واعتماد سياسة الإرضاء والصفقات لحل الأزمات عبر مناقصة هنا وعطية هناك ومشروع هنا ومنصب هناك. والاتجاهان للأسف الشديد، ربما أمنا حماية للحكومات نفسها لأشهر أو سنوات لكنهما أعادا البلد عقوداً إلى الوراء، وهذا ليس سراً بل صار شعاراً متداولاً حتى في العلن. ألم يقل نواب في الاستجواب أنهم في حل من اتفاق مع الحكومة وأنهم سيدعمون أي استجواب ضدها؟
إذاً، القصة قصة اتفاقات مع الحكومة، وجزء من الاستجوابات لا يهدف إلى الرقابة والتشريع بل إلى تصفية حسابات إما مع الحكومة وإما مع الشركاء النواب أو القوى والتيارات. نعم، اللعب صار على المكشوف في دولة الدستور والمؤسسات.
ويا ولي الأمر، ما نقوله غيض من فيض ما رأيناه ونراه وسنراه. آن الأوان للسلطة لتغيير نهج التعامل مع الاستحقاقات الديموقراطية بطريقة تضمن البيئة القانونية لفوز الأكفأ والأقدر على التمثيل لا الأكثر تطرفاً والأقدر على شحن الغرائز، سواء عبر نقل وظيفة التمثيل من نطاقها المناطقي المذهبي إلى نطاقها الوطني، أو من خلال تطبيق قانون تجريم كل من يسيء إلى الوحدة الوطنية.
ويا ولي الأمر، الإجراءات السابقة مثل حلّ المجلس أو تغيير الحكومة كانت حلولاً تسكينية ظرفية. المطلوب تغيير النهج وتحصين الوحدة الوطنية بالدستور وهو العقد الذي ارتضاه أهل الكويت لتنظيم العلاقات بين الحاكم والمحكوم وبين الناس والمؤسسات وبين المؤسسات والقوانين واستمرار الدولة... ونحن بحاجة لتطوير هذا العقد لا لإضعافه بممارسات كالتي نراها.
ويا ولي الأمر، آن الأوان للحكومة أن تغيّر نهج تعاملها مع النواب على قاعدة «لا تبوق ولا تخاف»، فتمضي قدماً في مشاريعها وخطط التنمية ولتكن الأسئلة والمساءلات محصورة بالأداء والإدارة فقط. الحكومة – أي حكومة – ليست مضطرة لا للوقوف على خاطر نائب للتصويت مع وزير ولا لترضية آخر بكل الوسائل المادية وغير المادية لسحب توقيعه عن طلب طرح الثقة.
ويا ولي الأمر، نحن في محنة إقليمية، والغيوم السود تتجمع فوق الخليج، وليس سراً أن بيتنا «التعاوني» تسوده خلافات بين الأشقاء، وليس سراً أن المواجهات المقبلة عناوينها نووية لا تقليدية، وليس سراً أن أسلحة دول إقليمية كثيرة تقوم على زرع مظلوميات لدى مختلف الفئات الدينية هنا وهناك، وتشجيع غرائز طائفية هنا وهناك، ودعم أي تحرّك ضد الأنظمة هنا وهناك... نقولها خوفاً على بلدنا وعلى النظام الذي لا نرتضي غيره، فاستمرار ما حصل ويحصل لا يقود إلّا إلى الهاوية، وسموكم قادر دائما بإذن الله على منع ذلك لأنكم ربّان السفينة والأحرص على وصولها إلى برّ الأمان بما تملكون من إرادة ورؤية ومحبّة جميع أهل الكويت.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي