من الآخر

حتى لا نكون قطعاناً

تصغير
تكبير

حين تكون في جماعة ما، ويقبل شخص تجهله، وتجد الجميع يقبل رأس هذا الشخص، ربما تنقاد أنت الآخر لتقبل رأسه، رغم أنك لا تعرفه، أليس كذلك؟!
وربما تجد نفسك مقبلاً على شراء سهم شركة تجهل أداءها المالي، لمجرد أن مستثمرين كثرا يتهافتون عليه؟ نعم تفعلها... وهناك أمثلة أخرى كثيرة.
هذه الظاهرة تسمى ظاهرة «الدليل الاجتماعي» Social Proof التي يعتبرها عالم النفس الاجتماعي روبرت شالديني من أسلحة التأثير في الآخرين التي ذكرها في كتابه «التأثير».


و«سلوك القطيع» يعني أن الشخص يصبح «تابعا»، ويفقد فرديته، وينصهر في جماعة غير متجانسة الأفكار والأهداف؛ فيبدو شخصا آخر تماما، لأنه في الواقع عقلاني معتدل السلوك، أما وسط هذه الجماعة فهو انفعالي متطرف السلوك.
وهذه التبعية في اتخاذ القرارات المختلفة تلقائيةٌ، وخطيرةٌ في الوقت نفسه، في ظل غياب الوعي... الوعي السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي... والوعي لا يكون إلا بالثقافة التي هي مزجٌ بين التعليم الجيّد والتجربة، وحرية التعبير والاختيار؛ فقد يوفر الطاغية حرية التعبير، لكن بعد تأكده من غياب المثقّف الحقيقي الذي يمكن أن يحشد ضده. وقد يوفر التاجر كل البيانات، لكن في ظل الاحتكار وقمع حرية المنافسة. وقد توافر الأنظمة الغنية كفاءة التعليم، لكن تحت مظلة «الله لا يغير علينا» ، وسقف محدد لحرية التغيير وتلبية إرادة الشعب.
ومن يدقق الأمر يجد ان في دولنا مزيجا من هذا كله، لدينا شعب متعلم، لكن المخرجات السياسية تؤكد أنه شعب لا يمتلك وعيا كافياً ليرفض الطائفية والقبلية، بل إن بعض من يقودون القبيلة أو الطائفة هم من حاملي الشهادات العليا، ولكن تعمل عناصر كامنة في دواخل هؤلاء الأفراد، بما يشكل العقل الجمعي للجماهير، حتى تتحقق أهدافهم الشخصية.
لدينا أعراف عربية تراكمت على مدى سنوات، وعفى عليه الزمن، مثل: ان المذهب الفلاني هو تابع للدولة الفلانية. وان الشباب دائما على حق، ولا نضع احتمالا أن يكون هذا الشاب تابعا لشخص فاسد. وإن من يملك المال يملك النجابة. وإن العائلة كمؤهل أقوى من انجاز الشخص نفسه... وهناك ايحاءات مجتمعية كثيرة تفرض عليك مبدأ اقطاعي غريب: ان كنت من البسطاء، فأنت لا تفقه شيئا! فكن تابعا، وكن من «القطيع»، وهو ما يعني إعفاء العقل وتعطيله عن التفكير.
إن «ثقافة القطيع» سبقت عندنا ثقافة الكتب، والعلم، والمبادئ؛ لذلك تجدنا كالقطيع في التعبير عن الرأي، وفي انتخاب من يمثلنا، ننتخب شخصا، بصورة جماعية، نعلم أنه ليس الأكفأ. ونختار لحل مشكلاتنا ذوي القربى، بناء على أعراف وتقاليد، لا على قاعدة «اسألوا أهل الذكر»!
إن مشكلاتنا جميعها ستظل هما يؤرقنا، وستزداد يوما بعد يوم، مثل «كرة الثلج»، مادام سلوك القطيع يحتل عقولنا ويعطلها عن العمل، ومادامت الحرية وتجلياتها بقيت عاجزة عن تجاوز سكة التقليد، وهدم تابوهات أصبحت قيودا تغلنا، وتعرقل سيرنا نحو اتخاذ قراراتنا المصيرية.

Nasser.com.kw

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي