د. وائل الحساوي / نسمات / مازلنا متفائلين

تصغير
تكبير
قابلني في مكان عام فبادرني بالسؤال: هل اقتنعت الآن بما قلته لك من أن الأمور جميعها لا تدعو إلى التفاؤل أم مازلت مصراً على رأيك؟
ترددت قليلاً ثم أجبته: نعم مازلت على رأيي بأنه لا بد من التفاؤل، وسبب ترددي هو أن كم المشاكل التي نزلت علينا فجأة تجعل الحليم حيران.
قال لي: ولكن كيف نتفاءل في ظل تلك الأزمة السياسية الخانقة والتخبط من جانب الحكومة ومن جانب المجلس والشد والجذب الذي أوصل البلاد إلى طريق مسدود؟!

قلت: ولكن حكمة سمو أمير البلاد قد نزعت الفتيل ولو موقتاً، ومادام لا حل دستوريا أو غير دستوري فكل ما دونهما بسيط.
قال: ولكن الأمور سرعان ما ستعود إلى التأزم بعد تلك الهدنة!!
قلت: إن تيار العقلانية في المجلس قد بدأ يكسب الجولات ضد تيار التأزيم وسرعان ما سيدرك تيار التأزيم بأنه لا خيار له إلا بالاستسلام، وقد انهزم هذا التيار في جولات عدة منذ بداية الفصل التشريعي واستطاع المجلس ان يقر قانون صندوق المعسرين بدلاً من اسقاط القروض وأن يمنع إنشاء الدواوين على أراضي الحكومة وألا يستجيب لدعوات عدم تجريم الفرعيات، كما تصدى المجلس للمخالفات الحكومية في المصفاة الرابعة وطوارئ الكهرباء ومصروفات مكتب رئيس الوزراء وقضايا التجنيس.
أما بالنسبة لمحاولة النائب المليفي تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء ثم تقديم الثلاثة نواب لهذا الاستجواب فقد وجد معارضة غير مسبوقة من المجلس ليس بسبب عدم أحقيتهم بتقديم الاستجواب ولكن بسبب التعسف في استخدامه حيث تركوا الوزراء وقفزوا على رئيس الحكومة، وحيث لم يمهلوا الحكومة حتى نصف سنة قبل ان يسعوا لإسقاطها، فإذا أضفنا لذلك عدم الرضا الشعبي والسعي لتجنب صراعات الشيوخ، نجد أن التيار العقلاني قد انتصر على مقدمي الاستجواب بالضربة القاضية، والذين روجوا لتراجع أعداد المؤيدين للاستجواب قد لبسوا على الناس، فعدد لا بأس به من النواب قد رفض أسلوب التأجيل أو الاحالة إلى المحكمة الدستورية لقناعات دستورية، لكنهم اصلاً ضد الاستجواب ولعل قيادتنا قد أدركت بأن تيار الاعتدال الذي هب على المجلس لن يتكرر ويجب عدم وأده بسبب قلة مشاغبته.
قال: ولكن ماذا عن الجانب الاقتصادي وخسائر البورصة وانهيار أسعار النفط، هل يمكنك ان تكون متفائلاً حيالها؟!
لا بد أن نعلم بأن هذه أزمة عالمية ولسنا وحدنا المتضررين منها، ولكن لا تنس بأننا ولله الحمد أقل الدول تضرراً منها بسبب توافر الفوائض المالية التي ادخرناها خلال السنوات الخمس الماضية، ومبادرة الحكومة الـسريعة لحلها وتعويض الشركات والبنوك الخاسرة، وعدم مساسها بالطبقات الوسطى والفقيرة من الشعب، فهل سمعت عن تسريح لموظفين كما يحدث في أوروبا وأميركا أو تخفيض للرواتب أو احالات للمحاكم غير معهودة؟!
أما النفط فالكل يدرك بأن سعره الحالي هو مبالغ في هبوطه وأن السعر العادل له لا يقل عن 80 - 100 دولار، وسرعان ما سيرتفع لأن العالم مازال يحتاجه بشدة، ولأن مصادر الطاقة البديلة مازالت أبعد من كوكب المشترى عن الأرض.
ومن فوائد هذه الأزمة - لو استوعبناها حق الاستيعاب - أن نقوم بتعديل مسارنا الخاطئ من الاعتماد على النفط دون بدائل ومن التراكض المحموم بين نوابنا على تبديد جميع فوائضنا المالية بحجة كثرة الخير، ومن النوم في العسل والاتكالية والتسيب والتسابق على جني الأموال دون عمل او انتاج، ومن السماح للشركات الورقية ان تغزو اسواقنا بأرباح وهمية دون انتاج حقيقي، وصدق الإمام الشافعي حين قال:
رب ضائقة يضيق لها صدر الفتى
وعند الله منها المخارج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت، وكنت أظنها لا تفرج
د. وائل الحساوي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي