العصبية وضررها على المجتمع

تصغير
تكبير

القبيلة هي أحد مكونات المجتمع في الدولة وبتعبير أدق، فالقبيلة وحدة اجتماعية ينضوي تحت مسماها أفراد بعينهم يؤمنون بأفكار ومعتقدات متوارثة «إرث تاريخي». ويتأثر هذا الارث بالظروف المحيطة به اما بزيادة حدته او بخفوته واحيانا اضمحلاله حسب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
والعصبية ايا كانت لها جانبان محمود ومذموم، فالمحمود باستخدامه نفي الظلم والانتصار للحق والدفاع عن الوطن والذود عنه بالقول والفعل في الظروف التي تتطلب ذلك والعصبية المحمودة دفعت حمزة بن عبدالمطلب ان يدخل على ابي جهل وهو في نادي قريش وبين ظهرانيهم فيضربه ويشج رأسه، فلما نهضوا ليمنعوه من ذلك قال لهم ابو جهل دعوه فإني قد شتمت ابن اخيه محمدا والعصبية المحمودة دفعت بني هاشم وبني عبدالمطلب الى الاحتصار مع محمد وآل بيته في شعب أبي طالب، بعد ان قاطعوهم قريش لرفضهم الاستجابة لدعوته والعصبية المحمودة دفعت أبا طالب لحماية الرسول من عتاة قريش، وهو القائل: قل ما شئت يابن أخي والله لن اسلمك ولن اتخلى عنك.
اما العصبية المذمومة فمرفوضة بكل أشكالها وصورها ومظاهرها، لان الله رفضها ومقتها وبين مضارها ومساوئها على البشرية جمعاء، وكثير من الآيات الكريمة دلت على نبذ العصبية والدعوة إلى تركها، فالعصبية قلة عقل وقلة صبر وتبصر، والأشد وضوحا في ذم العصبية قوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ». والجهالة ظلم صريح للنفس وللغير وافتراء وهو ما انطوت عليه العصبية البغيضة والممقوتة من الله وعقلاء الناس لان الله خلق الناس سواسية، فلا مجال لتعظيم النفس والتفاخر والتعالي على الناس فالامانة التي حملها الانسان تقتضي ان يكون الانسان بعيدا عن التعالي والسخرية من الاخرين وازدراء الناس.
وقد تمثلت العصبية الممقوتة في الجاهلية بالحروب القبلية ووأد البنات والاخذ بالثأر من غير القاتل، كقتل اي رجل يلتقي مع القاتل حتى الجد الخامس من دون مسوغ شرعي ولا دليل اخلاقي، وقد ابطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيّن مفاسدها وأضرارها على الناس.
والعصبية وان كانت إرثا تاريخيا الا انها ارث يسهل التخلص منه عن طريق تفعيل دور الارشاد والتوجية ونشر الوعي بضرورة نبذ العصبية وأشكال التعصب الأعمى بين طلبة المدارس والجامعات والتجمعات الثقافية والاجتماعية عن طريق إقامة الندوات الهادفة، لإيضاح خطر التعصب ونبذ المظاهر الفاسدة الظاهر منها والمستتر، واستخدام تقنية المعلومات الحديثة وشبكات التواصل لما لها من دور فاعل وكبير في نشر الوعي بسهولة ويسر، ونحن ولله الحمد لدينا ما يغنينا عن العصبية وشرورها، فلدينا دستور استلهم اغلب مواده من الشريعة الإسلامية السمحة، فالله سبحانه دعا الناس الى التعامل مع بعضهم البعض بالعدل والمساواة والحرية لانها مقومات الحياة الأساسية.
وقد نص الدستور عليها نصا صريحا وواضحا: «العدل والحرية والمساوات دعامات المجتمع»، وألزم الدولة بأن تصون دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص ويمضي الدستور بمواده ومبادئه العظيمة التي استقاها من مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة وروحها السامية ومقاصدها الكريمة، التي تدعم وتحمي كيان المجتمع وترتفع بشأنه بعيدا عن التعصب والتحزب والتعنصر البغيض. كم نحن بحاجة إلى تأكيد الالتزام بالمعاني السامية والمقاصد الشريفة التي تضمنها الدستور الكويتي العظيم، فحب الوطن من الإيمان وحمايته واجب لا فخر لأحد ان قام به او دعا إليه أو عمل لاجله بل ان على الكل واجب توجيه الجهود باستخدام كل الروابط الاجتماعية والثقافية والدينية، لتعزيز الانتماء للوطن والنظام الذي يحمي هذا الوطن ويصون وحدته.

* عضو معهد المؤرخين البريطاني
باحث في تراث الكويت والجزيرة العربية
مؤرخ وخبير في شؤون القبائل والانساب

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي