أبعاد السطور

الكتابة بالصدفة!

تصغير
تكبير

للصدفة دور كبير في هذا الكون الشاسع الفسيح. وللصدفة مزاج خاص بها وحدها لا يتبع قانوناً ولا يعترف بشروط. الصدفة هي استثناء كوني للضحكة أو الدمعة، للنصر أو الهزيمة، للنجاح أو الفشل، للوصول أو التراجع، للإقدام أو التردد، للارتفاع أو الهبوط، للظهور أو الاختفاء.
الصدفة قادتني لأن أكون كاتباً، حيث كنت أعمل سابقاً في دار حكومية لذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت وظيفتي الإشراف على تلك الفئة من المعاقين، من خلال ما أكتبه عنهم من تقارير شاملة خلال الساعات التي أقضيها معهم من أول الليل وحتى مطلع الفجر.
ومما أفرحني في تلك الأيام أن دفتر الملاحظات كان ضخماً، الأمر الذي جعلني أكتب فيه تقارير مطولة عن اللحظات التي كنت أقضيها مع نزلاء الدار. كنت أكتب بأسلوب ساخر وطريف، أحكي فيه عن الأحداث والمواقف التي تحصل ليلاً أثناء تواجدي وحيداً بلا زملاء في مقر العمل. وفي ساعات الفجر الأولى بعد عناء السهر والتعب كنت أكتب اسمي في أسفل التقارير وأوقع عليها ثم أنصرف إلى المنزل. ولم أكن أعلم بأن كتاباتي كانت تنال إعجاب المسؤولين، حتى انهم كانوا يصورونها من دفتر الملاحظات وينقلونها إلى أسرهم... ولقد طلب مني العديد منهم رؤيتي والجلوس معي!


ولعل أهم الأسباب التي دفعتني لأن أكون كاتباً، أنني كنت اقرأ كثيراً وأخزن في رأسي كل شيء جميل في تلك الكتب. كنت أتمعن وأتلذذ بالغوص في الروائع المختلفة التي يمتاز بها الأُدباء عن بعضهم، كنت أُركز كثيراً على إسلوب كل واحد منهم، حتى حفظت اسلوب كل كاتب أدمنت على قراءة كُتبه.
كان يعجبني الماغوط في عنفوان مقالاته، ومارك توين في سخريته، ونيسين في آلامه، وزولا في شتاته، وجين نيكولاس في عمقه، وبابلو نيرودا ببساطته، وبورخيس في تأملاته وفلسفته. وأبهرني دوستويفسكي في المساكين وفي الإخوة كارامازوف والأبلة، وشفافية طه حسين في الأيام، والتحدي الذي يسكن قلب نزار قباني، وعلي الطنطاوي في عذوبة كلماته، وماركيز في إصراره على أن يكون مهماً، والحبكة التي تميّز باولو كويلو، وهاروكي موراكامي في صياغته للدهشة وثقته بنفسه... وآخرون أضافوا لمخزوني الأدبي الشيء الكثير... فشكراً لكل صدفة جميلة منحتنا فرصة لإثبات أننا قادرون على التميّز.

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي