جودة الحياة
صانعة الرجال
أراد ملك حكيم محبوب من رعيته أن يقدم إكليلاً من الذهب يتوج به من قدم عملاً عظيماً للبلاد، وذلك عن طريق مسابقة يشارك بها من يجد في نفسه الجدارة لهذه الجائزة. وفي الزمن المحدد للمسابقة تقدم العلماء والشعراء والفنانون والحرفيون ليدلوا كل بدلوه، وكان من بين هؤلاء ثلاثة أشقاء، عرض الأول على الملك لوحة فنية رائعة، وقام الثاني يحمل مؤلفاته العلمية واختراعاته ليعرضها أمام الملك، ثم قام الثالث وألقى على مسامع الملك قصيدة عصماء جزلة في معانيها وأوصافها، وانتبه الملك إلى عجوز كانت تجلس بجانب هؤلاء الأشقاء فناداها قائلاً: ماذا لديك لتقديمه لنا أيتها الخالة الموقرة؟ فأجابته: يا عالي المقام ليس لدى ما أقدمه، لكنني جئت لأرى أيا من أبنائي هؤلاء سيفوز بتقديرك و جائزتك.
عندها وقف الملك وقال: انتهت المسابقة، ضعوا الإكليل الذهبي على رأس هذه الأم صانعة الرجال.
لقد أدرك الملك الحكيم بحدسه أن الأم هي التي تستحق هذه الجائزة، فالإنسان يولد كمادة خام، لكن تعب الأم وسهرها ومواظبتها وصبرها على تربية أبنائها، يجعل منهم أعظم الرجال.
وهنا تجدر الإشارة أنه عندما نتكلم عن الرجولة، لا نقصد بها الأبناء الذكور فقط، فكم من أنثى كان لها بصمات رجولية وإبداعية أضاءت دروب البشرية، فالرجولة هي مواقف وانجازات والكلام في فضل الأم لا يعني إنكار دور الأب فهو السند والمكمل لما تقوم به الأم تجاه الأسرة وخاصة الأبناء.
والأمومة ليست حكراً على بني البشر فنحن نلحظها حتى في رعاية وحماية الحيوانات لصغارها وأبنائها.
ولا شك أن الاحتفال بيوم الأم، والبعض يحب أن يسميه يوم الأسرة، هو عيد للأسرة كلها، وتكريم الأمهات هو تكريم لكل أفرادها، وللأمومة معانٍ لا يمكن أن نحصرها بالكلمات، فهي عماد الأسرة التي هي أساس بناء المجتمع، فإن صلحت الأسرة، صلح المجتمع، وإلا فلا حول ولا قوة.
فلا غضاضة إذاً من تخصيص يوم للاحتفال بالأم، وتقديم الهدايا لها، فهي نعمة من نعم الخالق، من دون أن يكون ذلك على حساب إهمالها بقية أيام العام. ومهما بالغ الأبناء في إكرامها فلن يوفوا ولو جزءاً صغيراً من فضلها، لكنها وبسبب قلبها الكبير ستفرح بأبسط الأشياء التي نقدمها كمعروف لجميلها وفضلها علينا.
إن الأبناء يتأثرون ويتعلمون من كل محيطهم، المدرسة والأصدقاء وغيرهم، لكن يبقى الأساس هو الأم التي تقوم بتثبيت ما يفيد أبناءها وتنأى بهم عما يضرهم ويضر مجتمعهم من أفكار وسلوكيات من دون طمس لشخصياتهم واستقلاليتهم وكل ذلك بصبر وتأنٍ وطول نفس، وقد تتحمل في ذلك الكثير من العنت والمكابرة وسوء ردود الأفعال، ومع ذلك تصبر وتتجاهل وتترفع عن الانفعالات الغاضبة والسريعة، محبة بأبنائها وحرصاً عليهم وعلى مستقبلهم من دون منة أو طلب مقابل.
وفي نهاية المطاف، فإن فضل الأم لا بد أن ينعكس على كل المجتمع، فالأسرة هي اللبنة الأساسية في بنائه، فإن تربى أفرادها تربية صالحة وعرفوا واجباتهم وحقوقهم، فسينعكس ذلك على تطور وبناء بلدانهم ورقي مجتمعاتهم.
* مستشار جودة الحياة
Twitter : t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]