كنَّا صغاراً لا تغرينا الحياة بكل ما تحمله من زيف وإغراء كما كانت تغري الكبار. فكان همنا أن نحصل على وقت أطول لنلعب الكرة في ساحة المدرسة، أو نتقاسم لوح الكاكاو بيننا أو نتحدث مع بعضنا أثناء الحصة الدراسية من دون أن نعاقب أو نضرب. أو باختصار كنَّا نتمنى أن نكون جميعا - أبناء للناظر- فهو يستطيع أن يحقق كل أمنياتنا من دون أن تمر في مرحلة الخيال، فهي متحققة لما لوالده من سلطة في المدرسة.
وكبرنا وكبرت الأحلام ولم نكن نعتقد أنَّ - ابن الناظر- سيكون حالة متنقلة بين مراحل الدراسة، فابن الناظر في مدرستنا الابتدائية كان حالة مشابهة لابن الناظر في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، ولسذاجة وبساطة في تفكيرنا كنا نعتقد أنَّ هذه الحالة لن تكون موجودة إلا في إطار الابن والناظر. ومع خروجنا إلى العالم الخارجي ورؤيتنا للحياة السياسية والاجتماعية وجدنا المشهد يتكرر في كل الأحيان، وكأننا موعودون بالناظر وابنه في كل مكان، ولكنَّ الصلة هنا اختلفت وإن تشابهت في المآل، فتجد فلانا بن فلان يحصل على منصب مرموق: لأنَّ أباه كان وزيرا... وهذا يعين في منصب قانوني حساس وبمعدل - جيد - فقط لأنَّ والده مستشار، وبعيدا عن المناصب نجد الأمر نفسه في المناقصات والعقود... وهكذا تمضي الحياة.
لم نكن نعتقد ونحن نلعب الكرة صغاراً، أننا يجب أن نولد لأبٍ يعمل - ناظراً - أو أمٍ تعمل - ناظرة - لكي نحصل على بعض حقوقنا أو أن نعامل كما يعامل هم. ولم أكن أعتقد أننا ونحن كبار يجب أن نولد لأسرة تنتج وزراء ومسؤولين لكي يورثونا هذه المناصب. إنَّ المجتمع بكل فئاته يتمنى أن يكون - ابنا للناظر- لكي يشارك هذا الناظر مكتسباته التي يحصل عليها بناء على منصبه وسلطته، وقد يثير هذا الأمر تساؤلاً كبيرا لدى البعض ممن ينشد الإصلاح، هل الإصلاح أن نكون أبناء لهذا الناظر أم الإصلاح بألا يكون للناظر قدرة على التمييز بين إبنه وقريبه وبين الآخرين؟