ماذا لو...؟

حديث في السعادة (4)

No Image
تصغير
تكبير

ما أكثر ما يسعدنا في هذه الدنيا؟
هل هو المال أو الجاه والسلطة، أو الحب أو الشهرة؟
يقول مصطفى محمود: «إذا كنت جعلت سعادتك في هذه الأشياء فقد استودعت قلبك الأيدي التي تخون وتغدر، فإذا جعلت من المال مصدر سعادتك فقد جعلتها في ما لا يدوم فالمال ينفد وبورصة الذهب والدولار لا تثبت على حال، وإذا جعلت سعادتك في الجاه والسلطان، فالسلطان كالأسد أنت اليوم راكبه وغدا تكون فريسته، وإذا جعلت سعادتك في الشهرة المرهونة بتصفيق الآخرين فالآخرون يغيرون آراءهم كل يوم».
إن السعادة ليست حالة يجب الوصول إليها، ولكنها سلوك يجب إتباعه، فإذا أردت أن تكون سعيدا وان تجعل الحياة سهلة، حاول ان تستمتع بكل الأمور، حتى أصعبها، ووضوح الغاية يجلب الاطمئنان ويؤدي إلى السعادة، وقد سبق لنا القول إن الخلط بين مفهومي المتعة (اللذة) والسعادة يقع فيه الكثيرون فيفسد عليهم الإحساس بحقيقة السعادة، وأحيانًا ما يكون هذا اللبس بين مفهوم السعادة وبين مفهوم اللذة مقصودًا من جهات بعينها بهدف تحقيق هوامش ربح خرافية على حساب الفرد، ومحاولة السيطرة على العقول وتحريكها باتجاهات مدروسة، فيشرعون في تسويق اللذات المختلفة على أنها جوهر السعادة.
وهذا الخلط هو ما يراهن عليه المسوقون الذين لا يهمهم سوى أرباحهم التي تتزايد بجنون كل ثانية على حساب المستهلكين، وما الإعلانات التي تسوق للسلع المختلفة فتسحر الناس وتستقطبهم ليركضوا خلفها إلا دليل على ذلك، في حين أن الدارس للسوق جيدا يكتشف بسهولة خداعهم للمستهلك، وربما يعود جوهر الاغتراب الذي يعيشه الانسان المعاصر اليوم إلى سعيه لإشباع حاجات متجددة لا يمكن اشباعها لأنها ببساطة حاجات مفتعلة وهمية، وفي ذات الوقت متزايدة قد تم اختراعها لإبقاء الافراد يدورون في حلقة الاستهلاك المفرغة، والفرد في ذلك بالتأكيد لا يسير نحو سعادته الفعلية بقدر ما يتجه نحو تحقيق رغبات الآخرين في الثراء على حسابه، فهو بذلك قد أصبح فريسة يسهل اقتناصها.
والدليل على ما نقول موثق في كل الإعلانات الاستهلاكية في الشرق والغرب على حد سواء، وهي كلها لا تعزف إلا على وتر اللذة لدى الإنسان لتوهمه أن تلك السلعة هي مفتاح السعادة الأوحد، ومن يريد مثالا لذلك فليشاهد أحدى هذه الإعلانات مثلا، فإعلانات شفرات الحلاقة والعطر المستخدم بعدها التي تقدم للرجال لا تظهر إلا رجلا وسيما ما إن يستخدم تلك الشفرة ويضع عطرها حتى يتحول إلى دنجوان عصره فيجتذب الفتيات الجميلات حوله من كل لون، لذا يسعى المستهلك لاقتنائها حتى يرى في نفسه ذلك الدونجوان، وإذا فتحنا المجال للأمثلة من ذلك النوع فحدث ولا حرج.
إن تلك السعادة التي يحصلها الفرد من تحصيل المتعة باقتناء سلعة أو امتلاك أشياء مادية لاشك هي سعادة متوهمة، سريعا ما تنتهي بانتهاء تملكه لها أو استهلاكه إياها، فكم من سلع ركضنا لنمتلكها، ثم ما لبثت أن فقدت بهجتها لدينا!
ومن السخف القول إن زيادة الرفاهية بامتلاك المستهلكات تعني السعادة، فالسعادة تأتي من القدرة على الإحساس بعمق والتمتع ببساطة، إنها تنبع من الداخل، هي شجرة منبتها النفس البشرية والقلب الإنساني، والعائق الكبير للوصول إلى السعادة هو انتظارنا للسعادة الكبرى، وتأجيل إحساسنا بما لدينا وما نتملكه بالفعل.
ماذا لو وضعنا حدا لهذا السيل الجارف الذي يأخذنا في تياره ليلقينا في يم متلاطم الأمواج لا نجاة منه؟
ماذا لو اكتفينا بما تيسر علينا الحياة من مقتنيات من دون سرف، وتنبهنا للطريق الذي نساق له معصوبي الأعين بحجة أن فيه ما نريد من راحة وهناء؟

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي