سلسلة تساؤلات مُدهِشة عن أجسامنا نطرحها ونُجيبُ عنها من وحي كتاب ?Why Do Men Have Nipples
الجنين... هل يرى أحلاماً وكوابيس؟!
إذا استثنينا المعنيين بالطب عموما وبفرعه النفسي خصوصا، يمكننا القول إن التساؤل المسطور كعنوان لحلقة اليوم لا يدور في خاطر أحد إلا نادرا.
وإذا أنت طرحت هذا التساؤل للتناقش أمام أشخاص لم يسبق لهم أن قرأوا أو سمعوا شيئا يتعلق به، فمن المؤكد أنك ستسمع منهم تعليقات وأجوبة متباينة تبدأ بـ«لا أعلم» وتستمر متراوحة بين تكهنات ظنّية لا تدعمها دلائل علمية، وأنصاف حقائق، وصولا إلى خرافات وأساطير خيالية.
والحقيقة المؤكدة التي لا يوجد أدنى خلاف حولها بين أهل الطب بفرعيه العضوي والنفسي هي أن الجنين البشري لا يكون مجرد كائن سلبي يتلقى التأثيرات من دون أن يتفاعل معها خلال فترة حياته في داخل الرَّحِم، بل إنه يكون كيانا تفاعليا يؤثر ويتأثر، وينمو ويتطور جسديا ودماغيا ووجدانيا ونفسيا، ولا يتوقف طوال فترة حياته كجنين عن أن يتعلم. كما أنه يقوم بتخزين خبرات وذكريات في مخازن ذاكرته الدماغية، وهي الذكريات التي تبقى كامنة في مراكز «اللاوعي» لديه، وتظل هناك حتى بعد أن يولد!
في التالي نحاول الإجابة بأسلوب علمي مبسط عن تساؤل اليوم، فضلا عن تسليط الضوء على مزيد من الجوانب الأخرى المتعلقة بشكل وأسلوب حياة الجنين في الرَّحِم...
هل يحلم الجنين؟
بما أنه ليس هناك أي طريقة للتواصل تخاطبيا مع الجنين البشري لسؤاله عما إذا كان يحلم اثناء نومه أو عن تفاصيل أحلامه إذا كان يحلم، فإنه الباحثين لم يكن ولم يزل أمامهم سوى أن يسلكوا طرقا استكشافية إبداعية سعيا إلى الحصول على أجوبة علمية عن مثل تلك التساؤلات التي ما زالت مثيرة للحيرة على الرغم من نجاحهم في سبر بعض أغوارها.
وفي سياق جهود الباحثين على هذا الصعيد، توصلوا إلى حقائق مؤكدة مهمة من بينها أن دماغ الجنين يتراوح بين اليقظة والنوم مرة كل نصف ساعة تقريبا ابتداء من أسبوعه الـ 24 تقريبا في الرَّحِم، وأنه يستغرق في جميع مراحل النوم بما في ذلك المرحلة التي تستقر فيها حركات مقلة العين ويبدأ خلالها الدماغ في استعادة ونسج ذكريات مخزونة ليصورها كأحلام.
هذه الحقيقة في حد ذاتها كانت كفيلة بأن تجيب بـ«نعم» عن السؤال: «هل يحلم الجنين؟». أي أن الأمر شبه المؤكد علميا هو أن الجنين البشري تتراءى لدماغه أحلام وكوابيس خلال استغراقه في النوم.
متى... وكيف؟
ومن خلال تحليل مخططات ذبذبات مراكز معينة في مخ تلك الأجنة خلال استغراقها في النوم، لاحظ الباحثون أن أنماط تلك الذبذبات تتشابه إلى حد كبير مع أنماط نشاط ذبذبات أدمغة أشخاص بالغين خلال استغراقهم في مرحلة «نوم حركات العين السريعة». ومن خلال ذلك، استنتج الباحثون أن الأجنة تدور في أدمغتها أحلام خلال نومها، ورجحوا أن معظم تلك الأحلام تكون ذات طبيعة صوتية أكثر من كونها ذات صور بصرية.
بماذا يحلم؟
بما أن الاستنتاج الذي حوله إجماع هو أن الجنين يحلم مثلما نحلم، فالتساؤل المنطقي التالي الذي يقفز تلقائيا إلى واجهة النقاش هو: «فبماذا يحلم؟... أي ماذا يمكن أن يتراءى له في أحلامه علما بأن ذاكرته تكاد تكون خلوا من أي مخزونات تجارب سابقة؟»
فطبيعة تركيب المخ البشري تجعله لا يستطيع – سواء في يقظته أو في منامه – أن يستدعي تصورات لم يسبق له أن عرفها وعايشها وتأثر بها فعليا.
في سياق محاولات الإجابة عن هذا التساؤل، ظهرت نظريات عدة من أكثرها قبولا أن الجنين يستمد أحداث سيناريو أحلامه من المؤثرات المحيطة التي تتلقاها حواسه الخمسة، خصوصا حاسة السمع التي تكون أول شيء ينصت من خلاله إلى أصوات دقات قلب أمه وإلى أصوات هدير تدفقات الدم في شرايينها، وحتى الأصوات التي تصل إلى مسامعه من الخارج بما في ذلك صوت أمه. وهكذا فمن المرجح أن الجنين يحلم بتلك الأصوات.
كما أنه من المرجح جدا أن حاسة اللمس تلعب دورا أيضا، إذ تختزن ذاكرة الجنين تصورات ذهنية من الاحساس الذي يستشعره عندما يلامس جسمه أصابعه وعندما يلامس جد جسمه بطانة رَّحِم أمه. وينطبق الأمر ذاته على حاسة الإبصار التي تشكل موردا مهما من موارد أحلام الجنين، إذ أن هناك أشعة ضوء بسيطة تتسلل أحيانا إلى داخل تجويف الرَّحِم من خلال طبقات بطن الأم، ولا سيما في حال تعرضها المباشر لأشعة الشمس أو أي مصدر إضاءة ساطع نسبيا. ومما يدعم تلك الفرضية أن إحدى الدراسات أثبتت أن عينا الجنين تتبعان حركة شعاع الإضاءة عند تسليطه على بطن الأم وتحريكه من مكان إلى آخر!
وهكذا، يمكن القول إن التأثيرات التي تستشعرها حواس الجنين الخمسة خلال بقظته هي التي يستمد منها مخه «الموارد» والبيانات المغذية للصور والانطباعات الذهنية التي تنغمس فيها مخيلته خلال أحلامه.
كوابيس الأجنَّة...
يثيرها «شبح» الإجهاض!
بما أننا قد اتفقنا على صحة فرضية أن الجنين يرى أحلاما في أثناء استغراقه في النوم العميق، فمن المنطقي أيضا ترجيح فرضية أنه يرى كوابيس مفزعة تجعله يستيقظ منزعجا إلى درجة قد تجعل بدنه ينتفض. ويعزز هذه الفرضية أن معظم الحوامل يؤكدن أنهن يشعرن أحيانا بارتعاشة قوية ومفاجئة تصيب أجنتهن، وهي الارتعاشة التي من المرجح جدا أنها تعني أن الجنين رأى كابوسا أثناء نومه.
والسؤال هو: ما الذي يُمكن أن يجعل جنينا يرى كابوسا يثير فزعه؟
يقول باحثون إن التفسير الأقرب إلى الدقة هو أن سبب كوابيس الجنين ينبع بشكل أساسي مما يترسخ في ذاكرته من أي تجربة تشكل تهديدا على استمرارية حياته، وهو التهديد الذي يتمثل في أي مسبب من مسببات الإجهاض.
ويشرح خبراء علم نفس ذلك الأمر موضحين أن ذاكرة الجنين تقوم تلقائيا بتسجيل شتى الذكريات التي يتعرض اليها، بما في ذلك ذكريات المؤثرات الخطيرة والمؤلمة. وهكذا، فإن تلك الذاكرة تختزن ذكرى مُفزعة في حال تعرض الجنين إلى خطر الإجهاض لأي سبب كان، وهو الخطر الذي يرتبط في ذاكرته باقتراب انتهاء حياته. وتبقى تلك الذكرى كامنة في دماغ الجنين حتى بعد زوال ذلك الخطر الجسيم. وعندما يستغرق الجنين في النوم لاحقا، فإن دماغه قد يستدعى تلك الذكرى المزعجة في صورة كابوس مفزع، فتكون نتيجة ذلك أن يستيقظ الجنين منتفضا إلى درجة أنه قد يصرخ باكيا في الرحم.
ويُرجِّح أولئك الباحثون أن هذه الذكريات الكابوسية التي نراها خلال نومنا ونحن أجنَّة في الرَّحِم تبقى كامنة في مراكز اللاوعي في أدمغتنا ،وتكون هي المتسببة في استثارة مزيد من الكوابيس الغامضة وغير المفهومة لاحقا خلال المراحل المتعاقبة في حياتنا من المهد إلى اللحد.