صدى

عقدة النقص... والسلوك التعويضي

No Image
تصغير
تكبير

تتراكم سلوكيات الفرد على مر مراحل حياته فتنعكس ومن دون شك على تصرفاته وتعاملاته مع المحيطين به، فإما أن تكون كريمة وإما أن تكون ذميمة، تبعاً لطيبة النفس أو خبثها، استقامتها أو انحرافها، فتظهر انعكاساتها على صاحبها. ولا ريب أن الثقة بالنفس تعتبر من العوامل المهمة في استقرار ورقي حياة الإنسان وتطورها، ولكن يعتقد البعض أن الغرور هو ثقة بالنفس، إلا أنه شعور بالنقص يخفيه في ثوب الغرور.
هناك فارق بدقة الشعرة بين الثقة بالنفس والغرور، فالأولى تواضع ولين الجانب وتقدير للإمكانات التي يمتلكها من دون إعطاء النفس قيمة «تكبرية»، أمّا الغرور فهو نقيض التواضع ومرادف للتكبر والتعالي وشعور بالعظمة وتوهّم الكمال وإساءة تقدير للحجم الحقيقي للقدرات وإفراط في الإعجاب بالنفس ومغالاة في تقييمها والتعامي عن نقائصها، ولكن إذا ما تجاوزت الثقة بالنفس الحد المطلوب والمعقول فإنها تتحول الى غرور.
يفسّر علم النفس عقدة النقص على أنها «شعور الفرد بوجود عيب فيه يُشعره بالضيق والتوتر ونقص في شخصيته مقارنة بالآخرين، ما يدفعه بالتعويض عن هذا النقص بشتى الطرق» وهو وباء خطير ومن الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً في هذا الزمن.
إن المصاب بعقدة النقص يتصف بالسلوك التعويضي إذ يتكلم بلهجة التعالي ودائم المحاولة لجذب انتباه الآخرين ويعرض أموره بمظهر ليس به، ويقارن نفسه بغيره ويحاول أن يثبت أنه الأفضل، ويتظاهر بالثقة بالنفس وهو لا يجدها في حقيقة نفسه، وينتقد ويهاجم الأشخاص الناجحين أو المتميزين عن غيرهم، فيلجأ إلى التقليل من قيمتهم الفعلية، فإن منشأ هذا الاختلال في التقويم هو الشعور بالدونية وتغطيته برداء الغرور والتعالي والتكبّر.
كما يؤكد علماء النفس أن علاج المصاب بعقدة الشعور بالنقص يبدأ بعد اعترافه بإصابته بالعقدة، والرغبة في علاجها والسعي جاهداً لمتابعة الأسباب التي آلت الى تفاقم الحالة، ومواجهة موضع النقص بهدوء والتفكير في وسائل تلافيه أو تحسينه والإلمام في القراءة وزيادة الثقافة العامة، والابتعاد عن مقارنة النّفس بالأشخاص المحيطين مهما كان وضعهم، فالإرادة والإصرار عاملان قويان وهما قاعدة الانطلاق لعلاج العقدة.
إن الشعور بالنقص من الأمراض الأخلاقية والنفسية التي أصبحت شائعة في الأوساط الاجتماعية، وسرت عدواها وطغت مضاعفاتها على المجتمع، وتبقى التربية مهمة في صياغة النفس أو خلوها من عقدة الشعور بالنقص، لما لها من تاثير خطير في التكوين النفسي وتوجيه الشخصية.
ومن هذا المنطلق وجب على المؤسسات الأسرية والتربوية والإعلامية الناشئة تحصين مركب النقص ومضاعفاته، لأن في النهاية يبقى التوازن والوسطية في الحياة هما المعيار الصحيح في السلوك الحياتي، وبهما يمكن علاج الأمراض الأخلاقية والنفسية بعد معرفة حقيقة المرض ودوافعه ،فالإسراع بخطط المعالجة يحد من تفاقم المشكلات التي تبدو جلية في مجتمعاتنا التي تتلقف العلوم والدراسات العلمية ولا تعمل بموجبها.

إنستغرام/ suhaila.g.h
تويتر/ suhailagh1
 [email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي