بوح صريح

الذئب ليس في السيرك

تصغير
تكبير

شاهدت تسجيلاً منذ أيام لشاب يصور مذهولاً طوابير أطفال المدارس وهم يقفون بالدور لدخول متحف في لندن. قال معلقا: «هكذا يجب معاملة الأطفال والإحساس بالبراءة والطفولة وليس كما حدث لي. حين كنت في الخامسة وأخذني المعلم لرؤية مغاسل الموتى!! ثم طلب مني أن أكون متفوقا!! بربكم أخبروني كيف بعد هذا أكون متفوقا».
شعرت بالغصة تخترق في حلقه والمرارة في صوته، وهو يتذكر كيف كانت تسحق طفولته وليس بيده شيء يفعله لإنقاذها. أحسست بحسرته على براءة سرقت منه بسبب نظام تعليمي خاطئ. ومعلم جاهل لا يفقه وسائل التربية وتنمية الذوق الفني والفكري الصحيحة.
لماذا على الأطفال المعاناة مع حصص موسيقى، مطالعة ورسم ضعيفة تعيسة، لا تستثمر أو تستخدم بصورة جيدة لغرض غرس حب الفن والعلم والشعر والكتاب، بل تستخدم كحصص فراغ واحتياط ومضيعة وقت؟ غالبا كان يقال لنا فيها: ضعوا رأسكم على الطاولة وناموا. لأن التخلف «يعشش» في عقول بعض المعلمين... هذا إن افترضنا أن لديهم عقل أصلا.


إن غباء وعشوائية النظام التعليمي لدينا، أدى لدخول الشوارعية إلى بيوتنا وفكرنا وحياتنا ومدارسنا وجامعاتنا. فبدل أن يخرج التنوير والتوعية والمعرفة من المدرسة والجامعة للشارع، سحب الشارع بجهله وفوضاه التعليم اليه.
الفنون سامية والفكر متعال على الشارع لأنه ببساطة يهذب الواقع، وينظف الإحساس ويرتقي بالذوق وينظم الحياة ويحفز العقل. ومن هنا يأتي دور المعلمين والتربويين لتحسين الواقع وإصلاح الشارع من كل خطأ وانحراف. وكذلك دور المسؤولين لتعزيز قيمة العلم الاهتمام بالمعرفة وتنمية العقل. وضخ الرعاية الشاملة اللازمة وتكريس الجهود لتحقيق ذلك. وهو ما لا نراه للأسف في معظم أنحاء الوطن العربي.
هناك التداوي بالموسيقى. وأيضا هناك التداوي بالقراءة والفن والكتب. لذلك كم سيكون جميلاً لو علمنا أولادنا القراءة واخذناهم للمعارض والندوات والمكتبات. فلا ينشأ الابن منحرفاً عاقا ولا تصبح البنت تافهة سطحية فاشلة. إن ما أقوله هنا يصب في صميم مصلحتنا ومصلحة أولادنا.
قال حكيم: «صحيح أن الأسد والنمر أقوى من الذئب، لكن الذئب لا يقدم عروضاً بالسيرك مثلهما».
لأنه لا تهم قوة البدن بقدر الذكاء والفطنة والنباهة. وليس القصد أن يكون الابن كالذئب، بل ألا ينساق كالقطيع مثله مثل غيره في سيرك الحياة، بل يتميز ويصنع من نفسه قيمة عليا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي