مشهد

إن لم تكن فارساً... فترجّل

No Image
تصغير
تكبير

كان فارسا يحسب له ألف حساب في ميدان المعركة، فما أن يمتطي جواده حتى يستل سيفه ويخوض في أجساد العدا ضربا وطعنا. لم يكن من أولئك الذين ترهبهم كثرة العدو ولا عتاده ولا صراخه ولا عويله فكان مقداما يخترق صفوف العدو بلا تردد أو وجل.
عتاده السيف والدرع وسلاحه الشجاعة والإيمان بحتمية النصر وما أن تبدأ المعركة حتى يباشر في الهجوم ويكون في مقدمة الصفوف فيتجنبه صناديد الأعداء والرجال الأشداء خشية الوقوع فريسة لسيفه البتار.
إنه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ابن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة الزهراء البتول ووالد سبطيه الحسن والحسين ورابع الخلفاء الراشدين. سيرته عطرة كروحه الطيبة الطاهرة، رافق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الكثير من الغزوات والمعارك والمواقف البطولية ولم يردعه رادع ولم يمنعه مانع.
بطل فريد من نوعه، شديد في بطشه رحيم في محبته، قوي أمام الأعداء يحسبون له ألف حساب وحساب، أنموذج فريد من الرجال الذين نفتقد أمثاله اليوم كثيرا وما أحوجنا فعلا لهم في ساحات الحروب
والوغى التي تخوضها شعوبنا العربية والإسلامية مع أعدائها من الداخل القريب والخارج البعيد.
لم يكن الإمام علي شخصا يختلف على شجاعته اثنان ويكفيه فخرا وشرفا أن طلب منه الرسول النوم في مكانه يوم كانت قريش تعد العدة لقتل النبي ووأد رسالته في مهدها، وأما قصة قتله لعمرو بن عبد ود في معركة الأحزاب فهي حكاية تُعلّم في مدارس صناعة الرجال والعلوم العسكرية الحديثة في الشجاعة والإقدام ومعرفة نقاط العدو ووسائل هزيمته معنويا وجسديا.
تقدم الإمام علي وكله ثقة بالله وخاطب خصمه بهذه الأبيات الشهيرة التي خلدها التاريخ:
لا تعجلنَّ فقد أتاك... مجيبُ صوتكَ غير عاجزْ
ذُو نية وَبصيرة... والصدقُ مُنجي كلّ فائز
 إنّي لأرجو أن أُقيمَ... عليكَ نائحة الجنائزْ
مِنْ ضَرْبَة نَجلاء يَبقى... ذكرُها عِندَ الهَزاهِزْ
شكل الإمام علي رحمه الله مدرسة فريدة في الشجاعة والفروسية وتاريخه حافل بالبطولات التي صال فيها وجال وضرب لنا أروع الأمثلة في الدفاع عن دينه وقضيته التي يؤمن بها.
إنه الفارس الذي ترجل عن صهوة جواده غدرا وخيانة وطعنا بالظهر بخنجر مسموم وهو ساجد يصلي الفجر إماما بمعشر المسلمين، لأنه كان جدارا صلبا وحاجزا منيعا أمام محاولات تقسيم الأمة الإسلامية في سنوات خلافته التي تبعت بداية الفتنة الكبرى والتي انتهت بمقتل سيدنا عثمان بن عفان «ذي النورين» ثالث الخلفاء الراشدين في بيته على يد مجموعة من الغوغاء.
بعد أن نستذكر هذه السيرة العامرة بالإنجازات علينا أن نقارن بينها وبين واقعنا المؤلم الذي افتقدنا فيه الفرسان وأخلاقهم النبيلة في الميدان،
ونبكي على تاريخ صنعه أسلافنا ببطولات فريدة. فلقد امتطى الكثير من أدعياء الفروسية صهوات خيولهم وتزينوا بزينة المحاربين الأشداء تماما مثل المماليك الذين اشتهروا بذلك، فصار أن وقع الكثير منهم صريعا أو فر هاربا تاركا مصير أمته وشعبه في يد من لا يخاف الله ولا يرحمهم.
لقد تصدر المشهد السياسي والعسكري رجال لا أقل من أن نقول لهم بلسان عربي مبين: «إن لم تكن فارسا... فترجّل، واترك الميدان للرجال ذوي الهمم العالية تماما مثل أسلافنا الصالحين الذين حققوا النصر تلو الآخر بفضل من الله سبحانه وتعالى، ويكفينا ما جررتم خلفكم من أذيال الهزيمة وأصوات عويلكم تصخب الآذان وأثرتم انتصارات وهمية وافتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، وكما يقول المثل الكويتي الشهير... لا طبنا ولا غدى الشر».

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي