التحكيم البحري والتجارة الدولية

No Image
تصغير
تكبير

نظراً للتطور الهائل في مجال معاملات التجارة الدولية، واتجاه العالم الى تبني سياسة السوق المفتوح، اذ تتجه معظم الدول الى زيادة الاستثمارات الاجنبية على اقليمها، وكذلك تطور وسائل الاتصالات ووجود ما يعرف بالتجارة الالكترونية، كل ذلك ادى لحاجة وجود نظام يتميز بالسرعة والفاعلية والمرونة، يتصدى للفصل في النزاعات الناشئة عنها، ويواكب التطور الحاصل فيها ونحن في الكويت في أمس الحاجة الى مثل هذا الوجه الاداري النوعي ليخدم توجه الدولة لجعل الكويت مركزا تجاريا يجلب الاستثمارات الدولية ويدعم خطة التنمية المستدامة اذ ان كبرى الشركات العالمية تشترط وجود تحكيم دولي في الدولة التي يراد الاستثمار بها.
والتحكيم البحري هو صورة من صور التحكيم التجاري ولكنه له خصوصية طبيعية ذات نطاق واسع اذ ان اكثر من 95 في المئة من البضائع الدولية يتم نقلها عن طريق منظومة النقل البحري، حيث ساد ويسود في الدول المتقدمة نظام التحكيم في المنازعات البحرية التي تنشأ بواسطة محكمين متخصصين ومشهود لهم بالخبرة والكفاءة في مجال التجارة البحرية، وذلك لعدة اعتبارات يمكن تلخيصها في:
1 - في كون المحكم البحري يكون ملما بالنواحي الفنية البحرية وادارة عمليات السفن بانشطتها المختلفة الفنية والملاحية والتجارية وتطبيقاتها والقانون البحري الخاص بهذا القطاع التجاري العالمي والذي يخدم ثلاثة ارباع التجارة الدولية.
2 - رغبة الممارسين للانشطة البحرية المختلفة في تسوية المنازعات الناشئة عن علاقاتهم البحرية التعاقدية وغير التعاقدية بحرية عادلة تتبع من واقع المجال المهني المتخصص الذي يعملون فيه، وهو مجال التجارة البحرية.
ورغبة اطراف العلاقات البحرية في حل منازعاتهم في سرية لا تتوفر لهم في المحاكم الوطنية سواء بالنسبة لسرية الاجراءات او بالنسبة لسرية الحكم الصادر عنها وكذلك رغبة اطراف العلاقات البحرية في حل منازعاتهم بسرعة لا تتوفر لهم في المحاكم الوطنية والتي هي مثقلة اصلا باعداد كبيرة من القضايا. ودولية النشاط البحري يفرضه واقع اختلاف جنسية الناقل عن جنسية الشاحن عن جنسية السفينة في معظم الاحيان ونظرا لارتباط الانشطة البحرية بانتقال البضائع والأموال والخدمات من دولة إلى أخرى.
وصفة الدولية هذه تتماشى مع طبيعة التحكيم ومرونته، وتفادي تدخل الدولة واشخاصها المعنوية العامة فيها.
ويترتب على ذلك رغبة اطراف المعاملات البحرية باستبعاد اختصاص القضاء الوطني، خوفا من مسايرة هذا القضاء لمصالح الدول الاطراف في العلاقات البحرية، والمنازعات البحرية اما تنشأ عن العقود البحرية، واما تنشأ عن الحوادث البحرية.
ولعل اهم العقود البحرية التي يتفق الاطراف فيها على حل منازعاتها وتسويتها عن طريق التحكيم هي العقود التي تكون ذات طابع دولي، مثل عقود النقل البحري.
وعقود بيع السفن وشرائها ومشاركات ايجار السفن، وعقود التأمين البحري وعقود الارشاد البحري وعقود الملاحة والبحرية.
اما الحوادث البحرية فهي تتضمن التصادم البحري والمساعدة البحرية والانقاذ وتسوية الخسارات البحرية المشتركة، وتعتبر عملية نقل البضائع بطريق البحر من العوامل التي ترتكز عليها التجارة البحرية اذا يتم نقل تلك البضائع بواسطة سفن بحرية مختلفة الاشكال والاحجام ومجهزة باحدث الاجهزة الملاحية بغرض المحافظة على سلامة الطاقم والركاب والبضائع، وكان الناقل البحري مسؤولا عن الكواردث الناجمة عن الهلاك، والاضرار التي تحدث للبضائع، وكذلك عن التأخير في التسليم اذا كان الحادث الذي سبب الهلاك او الضرر او التأخير قد وقع للبضاعة في اثناء وجودها في حراسة الناقل، وكذلك الحال بالنسبة للتصادم البحري، والمساعدة البحرية والانقاذ لهذا اصبح التحكيم في المنازعات البحرية نظاما قانونيا مستقلا له احكامه التي تبنى على اساس الاعراف البحرية، وقواعد التجارة البحرية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالمحيطات والبحار، وقواعد النقل البحري في اعالي البحار التي تتضمنها عقود تبرم بين اطراف دولية مختلفة الجنسيات وخارج عن نطاق السيادة الاقليمية وبعيدا عن المجال البحري الاقليمي والمنطقة الاقتصادية الخاصة الخاضعة لسيادة الدول السياحية.
وخاتمة الرأي هو ان التحكيم الدولي في المنازعات البحرية وخاصة تلك التي تنشأ عن العقود البحرية يعد مظهرا من مظاهر تخلي الدول عن سيادتها وحصانتها القضائية عند دخولها طرفا هي او أشخاصها العامة، في منازعات دولية واختصاص محاكمها القضائية المدني والتجارية في النظر في هذه المنازعات وتسويتها تسوية قضائية، واستبدال ذلك باللجوء الى التحكيم الدولي في انواع العقود البحرية كافة التي تكون طرفا فيها، ويحق لطرفي النزاع ان يختارا نوع التحكيم البحري بنوعية المؤسسي والحر بالاضافة الى حرية اختيار لغة التحكيم واعضاء لجنة التحكيم ومكان التحكيم.
وعليه فانه يتوجب على الدولة الاهتمام بمراكز التعليم والتدريب البحري والتنسيق مع كبرى المنظمات البحرية العالمية لتحقيق هذا الهدف.

* كاتب ومهندس بحري كويتي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي