فواصل فكرية

ليست مجرد كلمة

تصغير
تكبير

عندما ينقطع الكاتب عن الكتابة، فهو يخسر كلماته شيئاً فشيئاً. وعندما يخسر الكاتب كلماته فهو يخسر ذاته بلا شك. الكاتب لا يستطيع التعبير عن نفسه من دون كلمات. لا يستطيع أن يجد مكانه وسط المجتمع، إلا بالكلمات التي تعبّر عنه وعن أفكاره وروحه، الحياة التي يعيشها لا يعيشها فعلاً إلا بالكلمات، حتى وإن كانت الكلمات التي يكتبها بينه وبين نفسه ولنفسه.
وأنا أكتب ما أكتب أشعر باسترجاع ذاتي، أشعر به بشكل ملموس، وكأنني أحجية تكتمل بالكتابة، تتضح معالمها وتبرز هيأتها بالكلمات التي أنا هي وهي أنا.
الكتابة ليست عبثاً وليست وسيلة لتحقيق الذات وحسب، هي وسيلة للإثراء مهما كان ما يقدمه الكاتب بسيطاً، إلا أنه جزأ من عملية الانتاج المعرفي والثقافي الذي تحتاجه الشعوب لتتطوّر.


يُشير البرتو مانغويل في كتابه «مدينة الكلمات» إلى وظيفة الكلمات في بناء الثقافة والتعبير عن المجتمع. فالإنتاج المعرفي له القدرة على تفرقتنا وتوحيدنا، وله القدرة على خلق نوع من الغاية أو التصوّر للمجتمع عن نفسه. أما غسّان كنفاني فقد ألّف دراسة في أدب المقاومة وكيف كانت الكلمة سلاحا من لا سلاح له، وكيف كان الشعر يُواجه بالحبس والقتل والنفي كأنه سلاح نووي قاتل.
إذا كان للكلمة التي تُكتب وقعٌ وصدى، فللكلمة التي تُقرأ وقعٌ أيضاً. وما كانت الإنسانية لتنهض من الظلام إلى النور لولا «اقرأ»، الوصية الربانية الأولى. فإن لم تكن كاتباً يحتاج للكلمة ليجد ذاته، فكن قارئاً يحتاج للكلمة ليحقق إنسانيته الواعية.

anwaraljuwaisri@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي